وردني اتصال قبل عام تقريبًا من شخص مُسلّمًا ومرحبًا ومهنئًا، ثم قال: هل عرفتني؟ فاعتذرت له متأسفًأ أن الرقم ظهر دون اسم، فقال: هل تتذكر من درَّسك اللغة العربية في الصف السادس. فقلت: نعم؛ إنه أ. احمد الفقيه من مدينة القنفذة، أعاد ذاكرتي إلى أيام جميلة مضى عليها أكثر من ثلاثين سنة، تلك الأيام بمدرسة غارضا الابتدائية التي كان بها حجرات قليلة وساحة صغيرة بيد أنها كانت كبيرة بأولئك المعلمين الذين لم ننسهم و لن ننساهم – نعود للمكالمة_ استطرد قائلًا: هناك طلاب خالدون في ذاكرتي وقد بحثت عن أرقامكم حتى توصلت لكم واطمأننتُ عليكم. انتهى الاتصال نعم لكنَّ أثره لم ينتهِ، فهو أجمل وأغلى اتصال تلقيته في حياتي؛ لأنه وأمثاله من غرس فينا القيم وزرع الهمم، فهذه رسالة أُسَطِّرُها ونحن نحتفل بهم في هذا اليوم العالمي له ولغيره من المعلمين الذين تربيتُ على أيديهم وتتلمذتُ عليها؛ لكم الشكر كله والتقدير أوفاه على جهودكم القيمة فأنتم من أعطى وسقى وروى حياتنا علمًا وثقافةً وأدبًا، ونقول ما قاله الشاعر محمد رشاد الشريف:
يا شمعةً في زوايا الصف تأتلق
تُنيرُ دربَ المعالي وهي تحترق
لا أطفأ الله نورًا أنت مصدره
يا صادق الفجر أنت الصبح والفلق
أيا معلمُ يا رمزَ الوفا سلمت
يمين أهل الوفا يا خير من صدقوا
يدٌ تخط على القرطاس نهج هدى
بها تشرّفت الأقلام والورق
ويمضي قائلًا… إلى أن يختم قصيدته بقوله:
فيا معلمنا لا تيأسن فلن
يجف روضك فهو العطر العبق
وسوف تلقى الجزاء مدخرًا
فعش قريرًا ولا يقعد بك القلق
فيا معلمينا يكفيكم شرفًا أن الله أثنى عليكم في كتابه ورفع منزلتكم فقال سبحانه “يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ”
فهذا اليوم فرصة لنا لنتذكر معلمينا وأساتذتنا ونذكر فضلهم ونثني عليهم وندعو لهم، ونحث أبناءنا على احترام معلميهم وتوقيرهم والتأكيد على حُسن تعاملهم والتواضع لهم والصبر على جفاهم. وقد قيل:
اِصبِر عَلى مُرِّ الجَفا مِن مُعَلِّمٍ
فَإِنَّ رُسوبَ العِلمِ في نَفَراتِهِ
وفي قصة موسى والخضر عليهما السلام خير دليل على ذلك: قال تعالى: ” قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا”
وأخيرً:
في ذاكرتي وذاكرة كل أبناء العرضية الشمالية معلمون كان لهم فضل بعد فضل الله علينا، ولست بصدد ذكر الأسماء في هذا المقال فلهم مني عبق التحايا وأخلص الدعاء.
ولكن كان خلفهم قيادات “مديرون” كانت لهم البصمة الكبرى والأثر البالغ على جُلِّ شباب المحافظة وتخرج على أيديهم العدد الكبير من شبابها فارقونا بأجسادهم ولن تفارقنا ذكراهم وهم: أحمد مسفر القرني – أحمد محمد شيبه- هادي ذاكر الغامدي – ضيف الله أحمد السهيمي رحمهم الله جميعًا وأجزل لهم المثوبة.
همزة وصل:
يقول غازي القصيبي -رحمه الله-:
الصديق الحقيقي هو الانسان الذي اختبرته، المرة بعد المرة، فوجدته صامداً في وفائه ثابتاً في ولائه، هو الانسان الذي “يضر نفسه لينفعك”.