مغربنا العربي على امتداد مشارفه على البحر المتوسط إلى ملامسته للمحيط الهادي؛ مليء بتضاريسه الجغرافية الخلابة، وتنوع ثقافاته المتميزة، وحضاراته الشامخة التي نقلها للجانب الشمالي من المتوسط، وأسس حضارة مكثت مئات السنين في الأندلس، كان حراكه السياسي والأدبي، لا يمله القارئون، ولا ينضبه الباحثون، وعزز حقبته الفنانون، واعتمد عليه المتقدمون، وتغنى به المتأخرون، وتعجب منه الغربيون والشرقيون، كان حراكًا غنيًّا بكل مكونات الحضارة المادية والمعنوي في ذلك العهد، صحيح أن ذاك الحراك الأدبي والثقافي صنعته الأحداث في تلك الحقبة، وصنعت سير الأدباء الكبار منهم: ابن زيدون شاعر الأندلس،
والمعتمد ابن عباد حاكم أشبيلية الذي نفاه المرابطون إلى اغمات جنوب المغرب، وتوفي بها وقال قصيدته المشهورة التي علقت على قبره
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي
حقًّا ظفرت بأشلاء ابن عباد.
الشاهد مما ذكر أن السمات التي كانت تسيطر على شعراء الأندلس هو الحنين إلى المشرق العربي، وذلك واضح في شعر ابن خفاجة، وعبد الرحمن الداخل، وابن زيدون، وهذا التلاحم بين أدب المغرب والمشرق العربي عززه كثير من الشعراء في الماضي والحاضر ومنهم، نزار قباني الذي زار تونس، وانشد قصيدته المشهورة التي مطلعها
ياتونس الخضراء جئتك عاشقا
وعلى جبيني وردة وكتاب
وحينما زرت تونس قبل سنين، وقلبت الصفحات في أدبيات المغرب العربي هناك، ومدى تلاحمه مع مشرقه؛ هزني الشوق وناكفت نزار قباني في قصيدته، وعارضت أبياته وقلت:
يا تونس الخضراء جئتك عاشقا
وعلى يدي يراعة وكتاب
اما اليراعة بها نظمت قصيدتي
فتعجب من لحنها الكتّاب،
وحينما قال نزار:
إني الدمشقي الذي احترف الهوى
فاخضوضرت لغنائه الأعشاب
رددت عليه:
إني أنا المكي محترف الهوى
فتغصنت من عشقه الأعناب
وبسوسة عطر الحياة وزهرها
ترتاح من نسماتها الأعصاب
وللدكتور علي بن بخيت الزهراني قصيدة رائعة مطلعها.
إن الجمال العالمي المغرب،
ينساب حول العاشقين، ويحدب
إن الجمال بكل أرض مشرق،
لكنهم في أرضهم لا يغرب
إني على أرض الحجاز متيم
بالحسن والإحساس، كم أتعجب
والأمر الذي اذهلني في التراث الثقافي للمغاربة هو امتداد حراكهم عبر السنين، فهم الآن يقيمون المهرجانات المتنوعة على مدار العام التي بلغت في المغرب وحده أكثر من ١٣٦ مهرجانًا عام ٢٠١٩م ناهيكم عن تونس والجزائر وموريتانيا، وهناك مهرجانات تقام في مشرقنا العربي في دول الخليج والأردن، وهنا أقول: إن ربط مغربنا العربي بمشرقه تحت خيمة ثقافية تجمعهما في ثقافات متنوعة أمر غاية في الأهمية؛ لا سيما إذا أشركنا مصر بثقافتها الشامخة في خيمتنا الثقافية العربية، هذا الاقتراح أقدمه للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في الجامعة العربية، على أن تتبنى جدولة المهرجانات في عالمنا العربي، وربط بعضها ببعض والسماح بإقامة مهرجانات متبادلة بين دوله؛ لترسيخ هويته العربية، وحصانتها من الاختراق.