قال صاحبي: هل استمعت لما قاله ماكرون عن الإسلام؟، أليس بوسعه الحديث عمّا يريد بطريقة أفضل دون المساس بدين يؤمن به ثلثا أهل الأرض؟، ربما تكون كلماته موجهة للداخل الفرنسي كما يزعم من يدافع عنه، أليس كذلك؟
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث بها الرئيس الفرنسي ماكرون بهذه السلبية عن الإسلام، فمهاجمة الإسلام باتت ملجأ للرئيس الفرنسي، للهروب من الضغوط الداخلية والأزمات، وللتذكير فقط ففي الذكرى الخامسة للهجوم على صحيفة شارلي إبدو وصف الإسلام بالإرهاب!! دون قصر التهمة على من قام بالفعل، الذي لا نقره ونرفضه ويعاقب عليه ديننا بالقصاص العادل من الفاعل، كيف يصف الدين السماوي بالإرهاب، وهو دين الرحمة والإنصاف والتسامح، وغيرها من القيم التي يزعم الغرب أنها من قيم حضارته التي يؤمن بها ويدافع عنها!
وحتى نكون منصفين علينا الرجوع لما قاله ماكرون، من حيث الزمان والمكان، والمضمون، لنجد أنه تحدث في حي يسكنه المهاجرون وأغلبهم من دول أفريقيا التي احتلتها فرنسا، وبالنسبة للتوقت فماكرون، يعاني من تدهور في شعبيته، لم يعرفها أي رئيس فرنسي آخر، وخصوصًا عندما صدر قانون العمل والذي مثل المسمار الأول في نعش شعبيته، الأمر الذي زاد من رقعة الاحتجاجات الشعبية في البلاد ليفجر ما عرف باسم “احتجاجات ذوي السترات الصفراء”.
ومضمون الخطاب تفوح منه رائحة العنصرية والكراهية حتى وإن قرأه البعض في سياق التسويق السياسي لمغازلة تيارات بعينها في السياسة الفرنسية، يتركز جلها في جانب اليمين المتطرف، في محاولة منه لرفع شعبيته المتدهورة، يبقى مرفوضًا وغير مقبول، بل ومتناقضًا مع قيم العلمانية والليبرالية التي يزعم ماكرون الالتزام بها والدفاع عنها.
فاللغة السياسية ليست بريئة ولا بسيطة كما يتصورها الكثيرون، بل إنها عملية منظمة ومتسقة وفق معايير محددة وأيديولوجية واضحة المعالم لا تهدف بالضرورة إلى تقديم الواقع كما هو بل إنها في معظم الأحيان تفبركه وتصنعه وفق أطر معينة ومحددة؛ لتحقيق أغراض وأهداف واضحة المعالم تخدم النظام القائم والقوى الفاعلة، وهو ما يؤكد على أن اللغة الإعلامية أداة مقصودة للتعبير السياسي عن أمر قادم.
فعلماء اللغة الإعلامية يؤكدون على أن القدرة على الإقناع تكمن في القدرة على تعريف الشيء وتحديد مفهومه بطريقة تقنع الناس به، فقد تعامل الغرب ببراعة فائقة في تحديد المفاهيم التي أرادوا لها أن تسود العالم، مثل تعريفهم للإرهاب والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والحرية والتسامح بالمعاني التي يقصدونها وبالطريقة التي تخدم أهدافهم في الهيمنة على العالم، وهو ما عبر عنه جوبلز بقوله :” نحقق عن طريق الاعلام مالا نحققه عن طريق الحرب”، وقد لخص وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد ذلك كله في مقولته الشهيرة:(انتهت الحرب العسكرية وبدأت حرب الأفكار)، التي تسعى إلى الهيمنة على الثقافات والشعوب، ولم تكن لتحدث أثرها لو لم تكن هناك وسائل إعلام تنقلها للجماهير، ولغة إعلامية مصنوعة روجت لها وعقول انخدعت وصدقت هذه المزاعم وأمنت بها ودافعت عنها.
فالخطاب السياسي ليس مجرد كلمات أو تراكيب لغوية، فله مطابخه الخاصة التي يقوم عليها كهانها وسدنتها لتجهيزه وإعداده بما يتوافق مع كل مناسبة داخلية أو خارجية، معبرًا عن أجندة سياسية ورؤية استراتيجية ومشروع مستقبلي في طور التكوين، فالسياسة في مجملها، هي البراعة في توظيف اللغة التي عن طريقها يكسب السياسي معركته الانتخابية، ومن خلالها تعلن الحرب، وترتفع الأسعار وتنخفض، فاللغة مرتبطة بالسياسة ارتباطًا وثيقًا، وأي تواصل لغوي يكشف أن وراءه دومًا انحيازًا سياسيًّا معينًا، فليس هناك اتصال برئ كما يقرر علماء الاتصال والإعلام.
وأخيرًا هل سيقيم المسلون في الخامس عشر من مارس القادم ذكرى المجزرة التي تعرض لها المسجدين في نيوزلندا، ويتبارون في إلقاء الكلمات على أرواح الضحايا الأبرياء، والحديث عن الإرهاب الغربي المسيحي، وعنصريته ضد المسلمين؟!
أم سيلوذون بالصمت، وإضافة هذه العملية الإرهابية إلى رصيدهم السابق من الظلم الذي وقع عليهم، ولم يجدوا من الإعلام والبشر وليًّا ولا نصيرًا؟ الإسلام ليس بحاجة إلى ضبطه وفهمه فقط، بل إلى الإنصاف، “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”.
قلت لصحابي:
“يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ”
فعلاً: ?? خطاب ماكرون ينطوي على عنصرية وكراهية..
ماذا لو وصف مسلم الحادث الإرهابي الذي ارتكبه مسيحي في مساجد نيوزيلندا بأنه (إرهاب مسيحي).. مرده أن المسيحية تعيش أزمة..
(وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَ ٱلَّذِى جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا نَصِيرٍ)
نحن لسنا ضعفاء لكننا مشتتون ولسنا على قلب رجل واحد، يجب اولاً أن نعي ذلك كما نعي أن غالب مشاكلنا لهذا حتى هانت علينا انفسنا فهنا على الناس.