حين كتب طه حسين الأيام كنت وأنا في الإعدادية شغوفًا بالتهامها ، كما ألتهم وجبة عشاء فاخر. مرت أيام فقط وفتنت بجميع رواياته.
كانت قصته تشبه قصتي، تشابكت معها مرارة الطفولة وحلاوة البساطة، وكتاتيب القرآن الكريم، ونبوغ العقل، هو كان في حلقات القرآن وأنا مررت بها .
هو درس بالأزهر وأنا طفت في مقاعد جامعات إسلامية،
هو لم يتأقلم مع شيوخ جامعته الأولى وتمرَّد عليهم، وأنا لم أتأقلم مع شيوخ جامعتي وتمرَّدت ..
هو ابتعث لفرنسا وأنا ابتعثت لجارتها المغرب.
هو طمح للتجديد والتحديث ونجح، وأنا حاولت ذلك وفشلت..
قصتان تحملان ألم التغيير وصراع التجديد، ولوعة الغربة، وحسد الأقران، ووشايات الأقربين، وذكريات القلب المفجوع.. الطفولة ، والدراسة ، والسفر
كلها كصفحة واحدة. في أيامي وأيامه.
لست هنا -كما لايخفى على ذكاء القارئ- في مقارنة بيني وبين عميد الأدب؛ فشتان بين مؤسس نهضة عربية وقمة عرفتْ ولم تكتشف، وبين طالب مبتدئ في مدرسة طه حسين الأدبية، ولكنها خاطرة مرت بذهني، وأنا أسترجع ذكرياتي المرَّة، محاولاً البحث والتشبث بتوأم الأمل والذكريات.
يقول طه في أيامه:《وللناس مذاهبهم المختلفة في التخفف من الهموم، والتخلص من الأحزان، فمنهم من يتسلى عنها بالقراءة، ومنهم من يتسلى عنها بالرياضة، ومنهم من يتسلى عنها بالاستماع للموسيقى والغناء، ومنهم من يذهب غير هذه المذاهب كلها لينسى نفسه، ويفر من حياته الحاضرة، وماتثقله به من الأعباء》
وهو ما أفعله الآن باستحضار غسق الذكريات، لون من ألوان التخفف والهروب.
ها هي دورة الأيام وأنا في بحر الخمسين أسترجع ذكريات الأيام، أرجو أن يجد فيها المتلقي متعته ونفسه وتجاربه ومغامراته، فالحياة قصص مكررة في أشخاص مختلفين، بأسلوب آخر لا غير.
حياتك هي نفسها حياة شخص آخر، ولكن بوجه آخر وببعد آخر، وبلون آخر من ألوان الحياة الكثيرة المثيرة.
ستجد في مذكراتي أحزانك، وأشجانك، انتصاراتك، وانكساراتك، شغفك، ورغباتك، ستجد الحلم، والوهم، الألم، والسَّقم، الوجع، والفواجع، الفقد، والموت ، الحب والحرب، الغربة، والحنين. الحب وصراع الحياة
في (مذكرات قلب مثقوب).
0