يؤمن مثقفوا وساسة الدول الأوربية أن الحضارة الإسلامية ساهمت بشكل كبير في رفع التقدم والرقي والازدهار المرتكزة على البناء المعرفي والوعي الراقي والحرية المنضبطة كما نقلت مفاهيم الحضارة من منطقة العاطفة إلى منطقة العقل ولكنهم يؤمنون اليوم أن حاضر العالم الإسلامي يدعو إلى الشفقة لأن جسد الأمة العربية والإسلامية يحتضن فيروسات الانشقاق والصراع والتمزق ويعاني تخلفاً وضعفاً مطلقاً ، وأنه تجسيد لفقدان الوعي التاريخي والكسل والتسلط والعصبية والطائفية مما شجع إصرار؛ الرئيس الفرنسي، على دعم، وحماية حملات الإساءة، لنبي الإسلام، محمد صل الله عليه وسلم، بالرسوم الكاريكاتيرية، تحت شعار، حرية التعبير؛
مما جعل الأرض تتزلزل تحت أقدام المسلمين الذين أثبتوا رغم كل الصراعات أن المساس بالنبي والعقيدة يزلزل الذهنية والنظرة الأوروبية حول المسلمين ويخاطبهم بلغة القوة الاقتصادية التي يؤمنون بها.
ويلتحم مليار ونصف المليار مسلم في مسيرات تطالب بالاعتذار والمقاطعة الاقتصادية لفرنسا مقتنعين أن هناك من يصب النار على الزيت ويغذي النزعة إلى حرب الحضارات خوفاً من المد الإسلامي داخل القارة الأوروبية، مطالبين العالم الغربي والأمم المتحدة بالا قرار من سن قانون يحظر التطاول على المقدسات الدينية أسوة على الأقل بالقوانين التي تحصر الهولوكست بغير ما تقدمها الدوائر الصهيونية التي فرضت بقوتها وتأثيرها إجراءات صارمة لكل من يحاول أن يمس أو يتحدث عن قضية الهولوكست، ولابد ان تقتنع فرنسا خاصة أوروبا عامة من هذه الأزمة أن تحترم مشاعر الآخرين ولا تستهزئ بالأديان والعقائد مؤكدين أن حرية التعبير لا تعني الإساءة والإهانة للأنبياء والأديان، فلقد أثبتت هذه الجريمة أن الحس الديني مازال مشتعلاً فلا خوف على الدين الإسلامي سواء على مستوى الشعوب أو القيادات، حيث ساعدت القيادات شعوبها في التعبير عن غضبها وحرية إبداء أراءهم وتشجيعهم على المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الفرنسية.
كما تعلمنا أن هذا التوتر السائد لابد له من مساحة مرنة متاحة للحوار بين العالم الإسلامي والغربي حوارٌ قائم على التفاعل والتسامح أخذاً وعطاءً بين الطرفين في ارتقاء مشترك دون أن ينزع طرف إلى إسقاط حق الطرف الآخلا في معتقده أو وجوده اعتسافا وتطرفاً، وأن تساهم الحكومات عبر السفارات في ممثليها في المجال الإعلامي والثقافي والمؤسسات والجامعات ورجال الاقتصاد واشراك غالبية المفكرين والمثقفين والدعاة الذين يحملون تياراً معتدلاً متنوراً معتمدين على العقل والمنطق فاهمين روح الإسلام وتفسير نصوصه بوعي راقي ملمين بالحضارات والأديان يتطلعون إلى غد مشرق لوجه الإسلام
بعقد المؤتمرات والندوات وطباعة الكتب وتصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام أنه دين إرهاب وجنس وتخلف وانه يدعو إلى العصور الوسطى والجمود بل تبين وجه الإسلام الصحيح وتعاليمه القويمة ومبادئه السامية وإرسالها إلى الأقليات المسلمة في البلاد التي توجد فيها بلغتهم التي يتحدثون بها ليقوموا بنشرها على مجتمعاتهم.
كما يجب علينا أن نجرى عملية المراجعة والتغبير في وسائلنا الإعلامية وتركيزها على إبراز الحضارة الإسلامية علماً بأننا نمتلك ترسانة إعلامية بل تعدى الأمر إلى سيطرتنا على مساحة واسعة من الفضاء تزخر بها قنواتنا التجارية التي أغلب شعاراتها وأهدافها الترفيه والتسفيه التي نأمل أن تمارس دورها في تحمل المسئولية وتقديم الإسلام بصورة صحيحة، ونشر الوعي والثقافة والرد على ما يشاع عن الإسلام من اتهامات باطلة على غرار إذاعة القرآن الكريم واعتبارها ضرورة لإسلامية وطنية لمواجهة التطرف والقضاء على الصورة والأفكار المنحرفة عن الإسلام.
كما لابد لنا أن ننشئ شركة الإلكترونيات لعمل برامج كمبيوتر وبرامج ألعاب للأطفال تتناسب مع الروح الإسلامية بعيداً عن العنف والجريمة وتدمير رموز المسلمين، ولتغذية الانترنت بمعلومات صحيحة عن الإسلام والسعي الحقيقي لإنتاج أفلام وبرامج عالمية ليس بالضرورة من معارك إسلامية ولكنها تحمل القيم والمبادئ الإسلامية التي لا تتعارض مع أي دين أو فطرة سوية بعيدة عن العنف والجريمة والفجور والسطحية والأهداف التافهة.
إن العالم الإسلامي والعربي في موقع المدافعة والممانعة رغم ما يتمتع به من قوى حضارية وجغرافية واقتصادية وبشرية ومازال الطرف المهمش ليس حراً فيها يختار أو لا يختار.
فلا بد لنا أن نعبئ طاقات الأمة وتحريكها لخوض المعارك المصيرية ليس ضد فرنسا و أوروبا بل ضد التخلف الذي يعيق حل مشاكل وقضايا الأمة الكبرى الداخلية والخارجية ولابد من انتهاج كل معايير ومقاييس فهم ووعي حركة الواقع الفكري والحضاري والثقافي والاجتماعي .
فاصلة
(المجتمعات التي لا يمكنها أن ترعب أحداً هي الأكثر تعرضاً للإهانة والخطر).
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ”
هذا وعد الله العظيم ، ومن اصدق من الله حديثا ، ولا يضرنا من ضل إذا اهتدينا ، وما يحاك ضده ، لن يضره ، بإذن الله تعالى ، بل يزيده انتشارا وصلابة ، كما اشرتم سعادتكم وفقكم الله سعادة الأستاذ الدكتور عائض .