الأستاذ الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك من الوجوه الثقافية المعروفة في المملكة العربية السعودية، وله إسهامات أدبية وثقافية ذات طابع اجتماعي قد تكون أقرب إلى علم الاجتماع من أي تخصص آخر، منها: 1) الفصحى ونظرية الفكر العامي، 2) الغيور والصبور، 3) الجوار عند العرب، 4) رسائل إلى الوطن، 5) الضيافة وآدابها، 6) الوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة.
وقد عرضَ عددٌ من مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو له يقول فيه إن هناك قصة حدثت قبل حوالي عشرين سنة هزت وجدانه، ملخصها أن قاضيًّا حكم بالإعدام على شخص أسود فقير وضعيف ومسن، يُقال إنه تلبس بالجن وحكم عليه وقتل، وأن القاضي بعد تنفيذ حكم القتل، خرج وأخبر أنه حكم على هذا الرجل بناء على شهادة اثني عشر جنيًّا جاءوا في المحكمة وأدلوا بشهادتهم، ويذكر أنه كتب اعتراضًا شديدًا قدمه للأمير نايف، ولوزير العدل، ولرئيس مجلس القضاء الأعلى، يعترض على قتل نفس بشهادة الجن، والحقيقة أنني أذكر أن بعض وسائل الإعلام قد تناولت هذا الموضوع في حينه، ولم أعر هذا الموضوع اهتمامًا لشعوري أنه قضية إعلامية مثيرة لا أقل ولا أكثر، لأن في مثل هذا الموضوع مساس بالنظام القضائي في المملكة، الذي يعتبر من أهم الأنظمة الاجتماعية، والذي بواسطته يقوم العدل، والعدل كما يعلم الجميع أساس الملك، وقبل أن يتم إيقاع عقوبة الإعدام، لا بد أن يمر الموضوع على جهات عدة منها هيئة التمييز، ومجلس القضاء الأعلى، ثم يُرفع للمقام السامي ليصادق عليه، وبالرجوع إلى أحد القضاة القدماء أهل الخبرة والدراية في هذا المجال والذين يعتبر كلامهم حجة في هذا الموضوع وهو الشيخ خضران بن مساعد بن خضران وقد كان قاضي تمييز، وكان رئيس محكمة سابقًا في مكة المكرمة حول إجراءات الحكم بالقتل، وكيف تتم، وهل تقبل شهادة الجن، فكان هذا رده: (هذه القضية سمعتها أكثر من مرة والذي يعمل في مجال القضاء لا يرى قبولًا لما ذُكر، فالقاضي الواحد لا ولاية له في قضايا القتل، وإن حكم فلا ينفذ حكمه، فقضايا القتل في المحاكم تنظر من دائرة مكونة من ثلاثة قضاة، وبعد حكمهم لا ينفذ ولا يعتبر قطعيًّا حتى يرفع لمحكمة التمييز والاستئناف لاحقًا فيصدق من دائرة مكونة من خمسة قضاه ثم يرفع لمجلس القضاء الأعلى سابقًا والمحكمة العليا حاليًّا؛ يصدق من دائرة مكونة من خمسة قضاة فمتى ما تم التصديق عليه من هذه الدوائر بالإجماع أو الأكثرية رفع للجهات المسؤولة وهي تأمر بتنفيذه، هذا في المجال الإداري، أما المجال الشرعي فجمهور العلماء لا يرون قبول شهادة الجن ولا ينظرون إليها للجهالة بحالهم فالمجهول من الإنس لا تقبل شهادته فكيف إذا كان من الجن؟!!). وقد أكد ذلك الشيخ أحمد سعيد سداح، وهو رئيس محكمة سابقًا في منطقة عسير، وهو مِن مَن يُعتد برأيهم في هذا المجال وقال بأن مثل هذه القضية هي أقرب إلى الخيال، فكيف تم دخول الجن إلى المحكمة؟ وكيف تم ضبط شهادتهم؟ ويقول: تواجهنا صعوبات مع فساق البشر فكيف بالجن؟ أما العميد أحمد بن عائض آل زنان، وقد كان رئيس قسم الأدلة الجنائية في شرطة الطائف فيذكر أن بعض زملائه شاركوا في التحقيق في هذه القضية، وأن ما جاء في كلام الدكتور مرزوق غير صحيح.
ويبدو لي أن هذا الخبر الصحفي الذي تلقفه الناس دون تمحيص، سببه أن هناك من يتربص بالقضاء وبالحكم بالشريعة، وقد يكون وراء مثل هذه الموضوعات السعي إلى الإثارة والاستهلاك الإعلامي، وإلا كيف يمضي هذا الحكم دون أن يعترض عليه أحد؟ وكيف يتم تنفيذ حكم الإعدام بناء على شهادة جن؟ وكيف رآهم القاضي؟ وفي أي صورة؟ وكيف لم تتم مساءلة هذا القاضي من قبل دوائر وزارة العدل؟ ويبدو لي أن هناك سببًا آخر للحكم بالقتل على ذلك الشخص، قد يكون تعاطي السحر أو غيره من الأسباب التي توجب القتل، ونحن هنا لا نقدس القضاة، ولا نرى أنهم معصومون، ونعلم أنهم بشر يخطئون ويصيبون، ولكن منظومة القضاء متكاملة، لو حدث خلل في حلقة من حلقاتها، فإن الحلقات الأخرى كفيلة بتصحيحه وتعديله، والله من وراء كل شيء.
???
أين وزيري الإعلام والعدل ، في تلك اللحظة عندما تم تداول تلك القضية الغريبة إعلامياً ؟؟؟؟؟؟
لماذا لم يظهر الوزيران ويبينا الحقيقة ؟!!!!