د. عبدالله العساف

الإسلام السياسي.. وسياسة الإسلام

قال صاحبي: تترد على مسامعنا هذه الأيام مصطلحات سياسية، نحن بحاجة لفهمها، ومعرفة تاريخها، وأبعادها، ودلالاتها، فمثلًا مصطلح “الإسلام السياسي” تم تداوله إعلاميًّا بشكل مكثف هذه الأيام.
ومع تصاعد الأحداث وسخونتها، فقد أحسنت رابطة العالم الإسلامي عندما بينت خطورة استغلال الجماعات المتطرفة للدين الإسلامي، والارتباط به اسميًّا لتمرير أجندتها، وكسب الأتباع والمؤيدين والداعمين، وهي أبعد ما تكون عن الإسلام. وسبق لي الحديث قبل عام أو أكثر لإحدى القنوات عن ضرورة الفصل بين الإسلام والأحزاب التي تدعي الانتساب إليه، فهي تشبه مثيلاتها من الأحزاب العقدية، في الشرق والغرب، فالرأسمالية، والليبرالية، والشيوعية، والبعث، والإخوان، والنازية، وغيرها، كلها مذاهب وحركات ذات أيديولوجيا ومعتقدات تم تأسيسها مباشرة، إما اعتمادًا على فلسفة منظريها، أو بحث لها مؤسسوها عن مشروع فكري جاهز وحاولوا الانتساب إليه، والارتباط به؛ من أجل استثمار قبوله وكثرة أتباعه كما تفعل جماعات الإسلام السياسي، التي اتخذت من الانتساب للإسلام ذريعة من أجل تمرير مشاريعها التي تتفق ظاهريًّا مع مبادئ الإسلام، لكنها من داخلها أبعد ما تكون عن قيم وتعاليم الإسلام.
وهذا الأمر أصبح مكشوفًا من خلال ممارسات هذه الجماعات التي تختلف مع جوهر الدين الإسلامي وسماحته، ومن خلال ما كشفه المنشقون من أعمدة هذه التنظيمات والتي لم تطلهم يدها لتصفيتهم وتغييب شهادتهم عليها من الداخل، وخصوصًا أن هؤلاء المتمردين عليها كانوا من قياداتها في يوم من الأيام ويمتلكون من الأدلة الملموسة ما يدينها، ولعل الاطلاع على بعض ما نشره الناجون من هذه الأحزاب في كتبهم ممن كُتبت له السلامة، كفيل بتعرية هذه الجماعات وكشفها على حقيقتها، فقد نجحت هذه الأحزاب السياسية بالتبشير بأيديولوجيتها وتمكنت من ربط نفسها بالإسلام، وسوقت شبهات كثيرة تحرم نقدها، بل إنها سوقت أن انتقادها يقع في دائرة الكبائر لأنه انتقاد للإسلام!!
هذا التبشير بمبادئ حزبية ذات قناع إسلامي وفر لها الأتباع والممولين والمنفذين الذين يتلقون الأوامر من قياداتهم لتنفيذ إرهابهم وجرائمهم دون وعي منهم!! من خلال حقنهم بجرعات أيديولوجية مركزة، كان لها ارتدادها السلبي على الإسلام والمسلمين الذين أصبحت تلاحقهم الشبهات أينما حلوا وارتحلوا بسبب ما ارتكبته هذه الأيادي الآثمة التي تحركها عقول شيطانية تسعى لتحقيق مكاسب سياسية والوصول فقط إلى الحكم؛ ومن ثم خلع ورمي الغطاء الإسلامي الذي كانت تتدثر به لحاجة في نفوسهم وظهورها بمظهرها الحقيقي الذي

سوف يكفر بجميع المبادئ والتعاليم التي كان ينادي بها.
فالإسلام منهج متكامل، يشمل نظم الحياة جميعًا، (عقيدة، وشريعة، وسلوكًا) ففي الإسلام النظام السياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي وبناء الأسرة، وغيرها من النظم؛ لذا يجب علينا بيان حقيقة ما يسمى بالإسلام السياسي أو(الإسلاموية)، فهي تنطوي على مجـموعة واسـعـة مـن الأيديولوجيات السياسية، فبالإضافة إلى تنظير وأفكار مؤسسيها، تأخذ إلهامها من تعاليم الإسلام، لكن بعد تكييفها وتفصيلها لتصبح على مقاسها ومتسقة مع أهدافها لتحقيق مآربها! فهذا المصطلح المرفوض، المشحون بالإساءة للإسلام، كان أول ظهور له في التسعينات، تم تداوله من قبل الساسة والإعلام الغربي، ثم استغلته الأحزاب المتطرفة ونسبت نفسها له، من أجل تحقيق مكاسب متعددة باستغلاله للعاطفة الدينية لغالبية أبناء الشعوب الإسلامية.

وأخيرًا.. اختزال الدين في السياسة ليس حكرًا على المنتسبين للإسلام، فهناك أحزاب يهودية ومسيحية تتبنى المنهج نفسه، ولكن جماعات الإسلام السياسي تختلف عنها في أنها طارئة على ميدان السياسة، وليس لديها مشروع سياسي واضح المعالم تعتمد عليه، فهم يفتقدون لمشروع الدولة متكاملة الأركان؛ ما أدى لارتباك المشهد السياسي عندما تولوا قيادته، وهو ما أثبتته الوقائع من خلال وصولهم للسلطة في بعض دول ما عرف بالربيع العربي؛ حيث تعاملوا مع الدولة بعقلية الحزب!! وهو ما قاد إلى فشلهم وخروجهم المبكر.

قلت لصاحبي:
“الإسلام منهج حياة، ولا يمكن أن يكون له نصف حياة، أو أن يُسجن في صومعة”.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button