نعيش اليوم عصر الثورة المعرفية، والذي تتسارع فيه الاكتشافات العلمية والتطورات التكنولوجية، وانتشار المعرفة بشكل كبير قد يجد فيه البعض صعوبة في المتابعة والتطبيق، إن ثورة الاتصالات وتقنية الكمبيوتر قد أثرت في جميع نواحي الحياة وفرضت تحديات جديدة في جميع المجالات حيث فرضت واقعًا جديدًا على جميع نواحي الحياة، ومن أهم المجالات التي تأثرت بشكل فاعل في تطور تقنية الاتصالات والكمبيوتر هو مجال التربية والتعليم؛ حيث يواجه العديد من التحديات التي تحتم التعامل مع هذه التطورات المتسارعة في المجالات المعرفية والتكنولوجية مما أدى إلى تغير في أدبيات التعليم التقليدي لمواكبة التطور الكبير فقد ظهرت مصطلحات حديثة مثل المكتبة الإلكترونية، وأنظمة إدارة التعلم، كما أدت ثورة الاتصالات والمعرفة إلى تطور التعلم عن بُعد. ويمكننا تعريف التعلم عن بُعد بأنه ذلك النوع من التعلم الذي يتميز بعدم التواصل المباشر الكلي بين الهيئة التدريسية والمتعلمين حيث يتم تقديم المواد التعليمية من خلال الشبكة المحلية أو العالمية الإنترنت من خلال استخدام تقنية التعليم والاتصال؛ وذلك ضمن إطار البيئة التعليمية التربوية التي تتكون أساسًا من ثلاثة مكونات أساسية محددة تشمل المعلم والمتعلم والمحتوى التعليمي؛ وذلك كما عرفها هولمبرج، كما عرفت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التعلم عن بعد بأنه نظام تعليمي يقوم على فكرة إيصال المادة التعليمية إلى الطالب عبر وسائط الاتصالات التقنية المختلفة حيث يكون المتعلم بعيدا منفصلاً عن المعلم، ومما لا شك فيه أننا نعيش إرهاصات الجيل الخامس والذي سينتقل بالتعلم عن بعد إلى التعليم التفاعلي الكامل من خلال استخدام التواصل ثلاثي الأبعاد والواقع الافتراضي باستخدام الشبكات الاجتماعية كجزء رئيس مما يسمى بأنظمة التعلم الاجتماعي Social online learning ونستطيع أن نقيس تفاعلية هذه الأجيال المتلاحقة من التعليم عن بعد إذا قمنا بإسقاطها على مقياس جيورا للتفاعلية. وسأطرح في هذا المقال ما نفذته وزارة التعليم من نقلة نوعية في التعلم عن بُعد من خلال منصة مدرستي والتي تعد نموذجًا فريدًا للتعلم عن بعد، إن التطبيق الناجح لمنظومة التعلم عن بُعد يعتمد على كثير من العوامل والجوانب المهمة سواء كانت فنية تقنية، أو إدارية بشري؛ حيث تتداخل هذه العوامل وتتكامل لتشكل فيما بينها بوتقة واحدة ومنظومة متكاملة هي منظومة التعلم عن بُعد، مما يعزز دور التعلم عن بُعد في المجتمع، ويسهم في تطوير العملية التعليمية والاستفادة القصوى من تقنية المعلومات والاتصال في مجال التعليم، لقد طبقت وزارة التعليم التعلم عن بعد وفق استراتيجية واضحة من خلال نموذج علمي محدد الأركان والإطار التنفيذي المتكامل لتحقق التكامل فيما بينها بشكل فعال ودقيق، مراعية بذلك جميع الاعتبارات التي تعمل على تحقيق أفضل النتائج للطالب، وأعضاء الهيئة التدريسية والقيادة المدرسية، والمجتمع ككل، ومحققة بذلك ما خلصت إليه الدراسات العلمية في هذا الجانب بأن اهم الاعتبارات التي يجب مراعاتها هي: الجانب التعليمي pedagogy، الجانب التقنيTechnology ، الجانب المعرفي والثقافي والاجتماعي content culture community، والبحث العلمي، والجانب الاقتصادي، والجانب الإداري، ومن خلال الاطلاع على عدد من الدراسات والبحوث في هذا الجانب فإننا نستطيع القول بأن العوامل الأساسية التي تضمن نجاح الإطار التنفيذي لبيئة التعلم عن بعد والتي حققتها منصة مدرستي تشمل ما يلي:
أولًا النظام التعليمي: يعتمد هذا الجانب على النظام التعليمي بمكوناته الأساسية وهي المعلم، والمتعلم، والمنهج، حيث يهتم بتقديم المناهج الإلكترونية التفاعلية المعتمدة على الوسائط المتعددة وتقديمها عبر الحاسوب والشبكات من خلال بنية تحتيه فاعلة. ويتضمن هذا الجانب تفاعل الطالب مع المناهج الرقمية بطريقة تزامنية وغير تزامنية من خلال منصة مدرستي، مع إمكانية استقبال المعلم للتغذية الراجعة من خلال نظام إدارة التعلم الذي توفرها المنصة؛ والتي تعرض من خلال المواد والمناهج الدراسية، إن التطبيق الناجح للتعلم عن بُعد يحتم توفر نظام تعليمي حديث يوفر تفاعلية بين أركان النظام التعليمي، كما يوفر المرونة في بيئة التعلم عن بعد.
ثانيًّا الجانب الإداري (الإدارة التربوية)، ويركز على إدارة منظومة التعلم عن بُعد، وذلك من خلال منظومة متكاملة من الأنظمة التكنولوجية التي توفر بيئة إلكترونية، تشمل في حدها الأدنى ما يلي: نظام إدارة التعلم، نظام إدارة المحتوى الإلكتروني والمناهج الدراسية، المكتبة الإلكترونية ومصادر المعرفة، ونظام التواصل، وهذا يتطلب وجود لوائح جديدة تساعد في تدفق المعلومات الإدارية التي تخص أعضاء هيئة التدريس من المعلمين وكذلك الطلاب شريطة أن يكون سلسًا ولحظيًّا يعتمد على الإدارة الإلكترونية.
ثالثًا: الجانب الثقافي والاجتماعي: ويمثل هذا الجانب البعد الحقيقي لنجاح مبادرات التعلم عن بعد على المدى البعيد حيث إن أحد أهم أهدافه هو دفع المجتمع بكل أطيافه ليكون مساهمًا في العملية التربوية والتعليمية، ومؤثرًا فيها ومتفاعلًا معها؛ مما يسهم في تطوير المجتمع، ويخلق حراكًا ثقافيًّا يهدف لبناء الاقتصاد المعرفي، إن الانتقال نحو اقتصاديات المعرفة يقوم على أركان هامة هي: البحث والتطوير، والتعليم، والبنية التحتية التكنولوجية، هذا ما تسعى إليه وزارة التعليم لتحقيقه من خلال منصة مدرستي ويبقى الدور الأكبر على تفاعل أولياء الأمور ومساندتهم لأبنائهم في أثناء رحلة التعلم.
—————————————-
باحث في المجال القيادي والتربوي