برز مفهوم التنمية المستدامة في السنوات الأخيرة كمفهوم مُستحدث للارتقاء بالدولة في كل مجالات الحياة على مستوى الفرد والمجتمع، فالتنمية المُستدامة تكون بالنمو في المجالات الاجتماعية من خلال إحداث التغييرات التنموية في بناء المجتمع ووظائفه، والتي بها تتشخص وتتجسد أهداف المجتمع في إنجازات ملموسة، والنمو والتطور في المجالات الثقافية من خلال بناء الإنسان بناءً معنويًا بإثراء القيم الروحية والتقاليد المجتمعية ومحو الأمية الهجائية والثقافية، وبلا شك بأن دور النقد البناء مهم وجليّ في تحقيق هذا النمو؛ وذلك بما يتناسب مع رؤية المملكة العربية السعودية والتنمية المستدامة والشاملة لكل المجالات المجتمعية بها، فالنقد يساعد على تطوير وتنمية المجتمعات من خلال دوره الرقابي الذي يُمارس على المؤسسات بأنواعها أو على الشخصيات المكلفة والمسؤولة، لكن دوره وأهميته لن تتحقق إذا لم نُدرك أدبياته وشروطه الواجب توافرها في الشخص الناقد، فالاطلاع على الموضوع والبحث وتحديد المشكلة أو مصدر الخلاف، من أهم الأمور الواجب تحديدها في النقد، فلا يمكن إصدار الآراء النقدية جدافًا دون علم مسبق ولا إطلاق الأحكام دون وجود دليل أو برهان، كما أن تخصص الناقد في الأمر الذي يتحدث عنه يساعد على أن يكون نقده مؤثرًا وقويًّا ومسموعًا، كما يجب على الشخص الناقد أن يفرق تمامًا بين النقد البناء والذي يهدف إلى بنا المجتمع وتنميته بالتحدث والثناء على الأمور الإيجابية التي تحققت، وتوضيح وتمحيص النقاط السلبية وتقويمها، حتى يكون المحتوى النقدي موضوعيًّا وهادفًا، وبين النقد الهدام المصاحب للتجريح والذي يهدف إلى التقليل والتهميش من الجهود المبذولة دون تقدير لها، وما يُلاحظ في الفترة الأخيرة هو افتقار البعض من الناقدين عبر الوسائل التقليدية والرقمية لأدبيات النقد وشروطه، فعلى سبيل التوضيح هناك من حاول تهميش، ودثر جهود بعض من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة من قبل المختصين؛ وذلك بالتشكيك فيهم وتكذيبهم بدون دليل أو إثبات يعزز من موقفهم، والأدهى والأمر من ذلك بأن تخصصاتهم مختلفة تمامًا عن ما تحدثوا عنه، هذه العشوائية في الانتقاد تحدث عند افتقار الناقد للمعايير المهنية والعملية الواجب توافرها في موضوعه، فهي لا علاقة لها بالتنمية سوى في تعطيلها وتراجعها، أخيرًا لابد أن يُدرك الجميع بأن حرية الرأي حق مشروع للجميع شريطة أن لا يحتوي هذا الرأي على التجريح أو الاتهام بدون إثبات؛ لأنه بذلك سيتحول هذا السلوك من مبدأ الحرية إلى حق المسائلة، فالنقد المبني على معايير مهنية وأخلاقية وأدبية هو من الأمور المجتمعية الصحية والضرورية لتحقيق الارتقاء المجتمعي والعلو الثقافي والذي لا يحدث سوى في المجتمعات التنموية المتحضرة.
0