ورد في الصحيحين أن جبريل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه”، قال أنس: «وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره».
وفي رواية البخاري: (ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب، محشوًا إيمانًا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده – يعني عروق حلقه – ثم أطبقه).
فمن يُريد الكتابة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا سيضيف لمن طهر الله قلبه بأشرف ماء ووكّل بمهمة التطهير أعظم ملك، ماذا نكتب وكيف نمدح من تجاوز كل ثناء البشر كيف وقد قال الله عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، عندما نُسأل عن خلق إنسان نقول: جواد كريم سخي متواضع وغيرها من صفات المديح، ولكن عائشة عندما سُئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم اختصرت الجواب بقولها: كان خُلُقُه القرآن. فكل آداب القرآن وفضائله وأوامره ونواهيه امتثل بها محمد صلى الله عليه وسلم.
نظم أبو العباس عبدالله الناشي قصيدة يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أولها:
مدحتُ رسولَ اللَه أبغي بمدحه
وُفورَ حظوظي من كريمِ المآربِ
مدحتُ امرءًا فاق المديح موحِّدًا
بأوصافه عن مُبعِدٍ ومقارِب،
وقال حسان ابن ثابت رضي الله عنه:
شق له من اسمه كي يجله
فذوا العرش محمود وهذا محمد
فعندما تعزم على الكتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن تجد أجمل من الكتابة عن سيرته، وسننه، وآثاره، ففيها الغنى عن كل رسالة تريد إيصالها.
آواه الله من اليتم، وعصمه من الظلال، ونصره وكفاه المستهزئين، وأيّده بجنود لم يروها.
مرّ أبو جهل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند الصفا وحيدًا فتطاول عليه بلسانه وسبه سبًا مقذعًا، فلم يرد عليه الحليم صلى الله عليه وسلم، فما زاده ذلك إلاّ اغترارًا فحمل حجرًا فقذفه على رأس النبي صلى الله عليه وسلم فنزف منه الدم. فانصرف أبو جهل مفتخرًا بفعله في نادي قريش عند الكعبة المشرفة. فقدّر الله أن يأتي عمه حمزة -رضي الله عنه- من رحلته للصيد خارج مكة، فسمع بما حدث لابن أخيه صلى الله عليه وسلم فتحركت فيه العواطف والمشاعر، واختلطت بالغيظ والغضب فتوجه إلى أبي جهل في نفس المكان الذي يفتخر فيه عند الكعبة فرفع قوسه فهوى به على رأس أبي جهل فشجه كما شج رأس النبي صلى الله عليه وسلم وقال أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرد عليّ ذلك إن استطعت”.
فمن يحاول النيل منه صلى الله عليه وسلم ومن سنته سيجد الجزاء من جنس العمل، فهذا أبو جهل وهو سيد من سادات قريش وصنديد من صناديدها ذاق ماذاق وفي نفس الزمان والمكان.
والشاهد من القصة لم يخطر ببال أبي جهل إسلام حمزة وإلا لما فكر أن ينال من محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن الحكيم إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه.
فلا عجب أن يأتي جهال الفلاسفة ومنتحلو الحكمة ومثيرو الجدل في هذا الزمان للبحث عن شيء ينتقصونه به؛ ولكن العجب في قلة الفهم وضعف الاطلاع والتقليد الأعمى (حتَّى لو سلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لسلكتموه)
تكتب تغريدة أو تتفوه بكلمة؛ لتلفت الانتباه فيُظهر الله لك ملايين البشر من عربٍ وعجم ممن لم يخطر ببالك فيدافعوا عنه صلى الله عليه وسلم.
قال أبو لهب تبًّا لك سائر اليوم ألِهذا جمعتنا؟ فجعل الله كل قارئ للقرآن يدعو عليه إلى يوم القيامة. “تبت يدا أبي لهب وتب” قال ابن كثير -رحمه الله-:
الأولى: دعا، بالهلاك والخسارة والثانية: خبر، فقد هلك وخسر.
فإن لم ننصره جاءه النصر من الله “إلا تنصروه فقد نصره الله”
قالوا عنه كاذبٌ وساحرٌ ومجنون فرد الله: “بل هم قومٌ طاغون”
قالوا نصبر عليه حتى تصيبه حوادث الدهر فيموت فقال الله على لسان نبيه: “تربصوا فإني معكم من المتربصين”..
زادت به المحن مات جده، ومات عمه، وماتت زوجته، فخرج إلى الطائف لعله يجد من ينصره فرموه بالحجارة، فعاد إلى مكة فبلغ سدرة المنتهى، ونصره الله بالأوس والخزرج.
تأمروا عليه فأخرجوه فرجع فاتحًا فحطم آلهتهم بيده.
فلا تفرح بما تقول عن محمد وعن سنته وعن دينه.
فالتمسك بدينة حقٌ وصلاح (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَءَامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٖ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡ كَفَّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَأَصۡلَحَ بَالَهُمۡ)
والعمل بسنته فلاح (فعليكُم بسُنَّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدين المهديِّينَ من بعدِي عَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ).
يقول جورج برنارد شو “لما قرأت دين محمد أحسست أنه دين عظيم، وأعتقد أن هذا الدين العظيم سيسود العالم ذات يوم قريب مقبل إذا ما وجد الفرصة لانتصاره، ليتعرف العالم عليه بلا تعصب” لكن كما يقال نحن أمة لا تقرأ….!
وأخيرًا:
البخاري كان ومازال أشهر من نارٍ على علم؛ ولكن العمى ليس عمى البصر، وإنما العمى هو عمى البصيرة، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
همزة وصل:
ابحث عن السعادة، وابعث سلامك لمن رحلوا.