الهياط كلمة من فصيح العامة تستخدم بكثرة في منطقة نجد؛ لكن اليوم وبفضل تعدد قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي انتشر هذا المصطلح بشكل واسع حتى أصبح مستخدمًا في جميع مناطق المملكة، بل تعدى ذلك ليصل إلى خارج الحدود، ويغزو عددًا من المجتمعات العربية. والهياط كلمة عربية كما جاء في كتاب (لسان العرب) لابن منظور تعني الصياح والجلبة، ويمكننا تعريف الهياط بأنه سلوك اجتماعي يعني المبالغة الشديدة في مخالفة ما تعارف عليه الناس من مكارم القول والفعل بهدف لفت الأنظار وطلبًا للسمعة، والرياء، والشهرة بين الناس.
وإذا كانت مظاهر الهياط متعددة وأشكاله متنوعة، وقد سبق أن تطرق إليها الكثير من المهتمين وفي أكثر من مناسبة، إلا أن الهياط الذي نتحدث عنه اليوم يختلف عن تلك الأنواع؛ وذلك كونه هياطًا شخصيًّا ولكن بطابع رسمي وتنظيم مؤسسي، هذا السلوك المشين تتبناه عدد من القيادات في المؤسسات الرسمية، هدفه الأساس كهدف أي نوع من أنواع الهياط الذي يتملك صاحبه حب الظهور والوصول للشهرة لكي يصبح حديث الإعلام والمجتمع. ولكن للأسف أن هذا النوع من الهياط يكون على حساب مصالح الموظفين في تلك الجهة كما تتحمله الموازنة المخصصة للمؤسسة، وفي الأول والآخر يبقى الخاسر الأكبر هو الجمهور المستفيد من خدمات تلك المؤسسة.
الهياط الاجتماعي رغم سوءه إلا إنه على أقل تقدير يكون على حساب صاحبه ومن ماله الخاص، بينما الخطورة تكمن في أن تكلفة الهياط الإداري يتم استقطاعها من المال العام، ومما يتوفر من مبالغ مالية نتيجة تقصير الإدارة في أداء حقوق الموظفين. وقد أسميناه بالاستراتيجي كونه مستمرًا وبعيد المدى، كما أن مظاهره تكون مغلفة بمصطلحات رنانة ملفتة للنظر مثل (الخطة الاستراتيجية، إدارة الجودة، التميز المؤسسي) وغيرها من المصطلحات التي تشكل حضانة لتفريخ ونشر سلوك الهياط، ومن أهم المظاهر والمؤشرات التي تبين أن خلفها شكل من أشكال الهياط الاستراتيجي ما يلي:
– يتحدث المدير المهايطي بكثرة عن الخطة الاستراتيجية وينفق جل موازنة المؤسسة؛ ليس من أجل الاهتمام بإعداد الخطة بالشكل الصحيح، وإنما للترويج لها والتغني بأهميتها، وربما أقام الاحتفالات في أرقى الفنادق لتدشين بدء العمل في إعداد تلك الخطة، على الرغم من عدم وجود مقومات لإعدادها، ورغم ضعف إمكانات من سيتولى عملية الإعداد.
– إن حدث وتم إعداد الخطة المزعومة؛ فستجدها مجرد كلام تنظيري، تتحدث عن كل شيء في المؤسسة من مباني وأجهزة وآلات وإجراءات، وربما لا تترك شاردة ولا واردة إلا وتم تناولها، باستثناء البشر الذين سيعملون على تحقيق هذه الخطة؛ فتجدها تتجاهلهم تمامًا ولا تشعرهم بأية أهمية ولا تعطيهم أية قيمة، ومهما تفتش بين أسطر هذه الاستراتيجية فلن تجد سوى عبارات فضفاضة وكلمات مطاطية لا تسمن ولا تغني من جوع.
– يتحدث هذا المدير بكثرة عن استشراف المستقبل، بينما تجده يتجاهل معاناة الموظفين الحالية وحاضرهم المؤلم الذي لا يقارن بشيء من ماضيهم الجميل.
– يحرص في المقام الأول على أن يأخذ كامل حقوقه المادية قبل أي شخص آخر في المؤسسة، بل لا يتورع حتى عن حقوق الآخرين إذا استطاع أن يجيرها لنفسه فلا يتوانى في ذلك، بينما تجد حقوق الموظفين قد يمر عليها الشهر والسنة والسنتان، وقد تأتي وربما يتم تقييدها ضد مجهول!!
– انتهازي من الدرجة الأولى وبارع في سرقة المجهود الشخصي للموظفين والمهايطة بأفكارهم التطويرية أمام المسؤولين؛ لينال بذلك عبارات الثناء وشهادات الشكر والتقدير، والأهم من ذلك المكافآت المادية، واعتلاء مناصب جديدة في قمة الهرم.
– يحرص بصورة مستمرة على تجديد مكتبه الخاص بأحدث الأثاث والتجهيزات من مكتب فخم ومقاعد مريحة وستائر مخملية وتكييف الإسبليت وسيراميك يكاد سنا برقه يخطف ابصار الزوار، وفي المقابل بمجرد أن تغادر مكتب سعادته يبادرك دوي صوت مكيف الشباك في المكتب المجاور؛ وكأنه هدير إحدى الطائرات على مدرج المطار.
– إذا زرت الأرشيف أو دخلت إلى مركز الاتصالات سيواجهك مكتب بثلاثة أرجل بينما الرابعة مسنودة بطوبة، وتتوسط سقف الغرفة مروحة بريشتين والريشة الثالثة مكسورة حتى إشعار آخر، كيف لا؟! وهو يعتبر العمل في تلك الإدارات نوع من أنواع التأديب، فإذا أراد معاقبة موظف في إحدى الإدارات؛ قال: ينقل تأديبًا للعمل في الأرشيف أو في الصادر أو الوارد! فهو لا يؤمن بأهمية اي إدارة من الإدارات مهما كان نشاطها ومهما يكن الدور الذي تؤديه؛ حيث لا يرى إدارة مهمة سوى مكتب سعاليه (سعادته أو معاليه).
– يتشدق بالحديث عن القيادة الأخلاقية، بينما ينادي موظفيه بأسوأ الألقاب وينعتهم بأقبح الألفاظ. يفجر في الخصومة وحاله في ذلك حال كفارات العشير لو أحسن الموظف إليه الدهر كله، ثم رأى منه خطأ وحيد، يقول للموظف: أنت ما عمرك أنجزت عمل بشكل صحيح.
الكارثة أن المتأمل في حال كثير من المؤسسات يجد أن الوضع مستمر؛ فعلى الرغم من أن تلك المؤسسات تشهد تغييرًا في قيادتها الإدارية من فترة لأخرى، ومع ذلك كلما استبشر موظفوها بقدوم قيادة جديدة تختلف عن سابقتها، بحيث تضمن لهم حقوقهم وتسير بالمؤسسة إلى مصاف المؤسسات المتقدمة، إلا أنهم يوم بعد يوم يجدون أنفسهم يغرقون أكثر في بحر الاحباطات، وأن الإدارة الجديدة تمشي على نفس خطى الإدارة التي سبقتها، ولكن بدرجة أعلى في الهياط.
خير الكلام:
قال تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى).
ما أكثر البربقندا في جهات حكومية ومنها هذه الجهة التي لم تحل مشاكلها الداخلية البسيطة
كتبت فأبدعت دكتور عبدالله ، وفعلاً كلامك لامس الجرح ولكن للأسف أقول لك: (لقد أسمعت لو ناديت حياً ، ولكن لا حياة لمن تنادي)
ونسأل الله أن يصلح الحال ويبرم له أمراً رشدا .
وفقك الله دكتور عبدالله
كلامك مرتب ومنمق يا دكتور، لكن اراء ان منظر التعليقات، لا يمثل المنظمة الذي يشهد بكوادرة الجيدة، ويظل مخرجات المعهد من افضل المخرجات، لاسيم أن قاعدة (الناجحون دائماً محاربون) نراها برأض التعليقات أي (أرض الواقع)، نتمنى لهم التوفيق والسداد، تحياتي.