“ستُبدي لك الأيام ماكنت جاهلاً” معاني عميقة جداً في شطر هذا البيت الجميل فلم يُخطئ الشاعر أبداً في وصفه عبر كل حرف ذكره، وفي ذات الوقت أعطى بعض الارتياح للنفس من ذنب اللوم حين وقوع المشكلة؛ نظرا لقصر علم الإنسان وعدم إدراكه، إضافة إلى تأكيد هام بأن الوقت كفيل بإظهار المعلومة الغائبة عن الذهن. وهي حقيقة راسخة سوف تظهر لأي إنسان صادف في حياته العديد من الوجوه المختلفة من خلال تعاملاته الاعتيادية. وبطبيعة الحال سوف تُفسر لنا التجربة المعنى الدقيق من هذه الكلمات العميقة. فقد تكون صور المواقف متنوعة من خلال الأحداث، والوقائع المصاحبة والمرجو أن لايكون الألم الجانب الأكبر فيها وخاصة إذا كانت التجربة في التعامل الشخصي وصاحبَها الكثير من الأخوة، والثقة، والمصداقية، والتفاني في إنسان لم يظهر جلياً ضعف مداركه، وجهله، وقلة بصيرته منذ البدايات وهنا تكون المصيبة مضاعفة.
وحقيقة قد نُحسن الظن جميعأ في شخص ما لاعتبارات مقبولة من الأخوة، والمحبة، أوالمعرفة المسبقة، أو لصلة عميقة متوارثة، أو لقاسم مشترك لا يصل الشك بتاتًا في كل أجزائه، أو لغيرها من المبادئ الإنسانية المعتبرة. وتمضي الأوقات ونحن في غفلة لم ندرك ملامح أبعادها، ولم تظهر لنا عناوين مؤشراتها.وحين وقوع أول موقف عابر حدث فيه بعض سوء تصرف عن حسن نية نتفاجأ بردة الفعل العنيفة المبنية على الحقد، والكراهية، والممتلئة شرًا، وسوءً ! وكأن تلك الأيام الصافية تم محيها، وكأن تلك المشاعر الصادقة تم طمسها، وكأن تلك المواثيق القديمة لا حاجة لها، والصلات الراسخة تلاشت تماما. فبالتأكيد أننا سوف نشعر لحظتها أن الأرض قد زلزلت من تحت أقدامنا، وأن الحياة لا أمان لها، وأن الأنفاس تكاد تختنق من ثقل ماسمعت الأذن، ومن هول مارأت العين، وفي الحقيقة أن كل تلك المشاعر المؤقتة هي في واقع الأمر خير كبير حتى وإن كان للوهلة الأولى شرٌ قائم فما كشف من ترسبات مقيتة داخل النفس من حقائق هامة لا تُقدر بثمن؛ لتتضح صادق المحبة من عدمها، ولتتضح صافي الأخوة من غيرها فهنا تعود النفس إلى رشدها وستتدرك مامضى ويكون لسان الحال “الحمد لله الذي عافانا”.
إن المأمول من كل إنسان أن يدرك أن حياته ماهي إلا تجارب عديدة ومتنوعة مابين المتعة، ومابين الألم، ومابين الراحة والتعب ولكن في مجملها تجارب نافعة، نعم قد تكون تجارب مؤلمة للأسف ولكن في تفاصيلها الكثير من الخير. والمهم أن لا يندم الإنسان على معروف قدمه كان الهدف الأسمى هو إدخال السعادة على قلوب الآخرين، حتى لو كانت هذه السعادة لغير من يستحقها. فليس ذنبه أنه يحب الخير ويسعى إليه بكل الأوقات والأماكن ما استطاع، وليس ذنبه أن نصيبًا من بعض أعماله وصلت لغير أهلها. وعليه أن يثابر ويستمر في أرض كتب الله فيها شئنا أم أبينا ضرورة تعايش الأخيار مع الأشرار، والكرام مع اللئام؛ لتستمر عجلة الحياة. وعلى أية حال هذه صورة من صور الحياة. وأنت أيها الجاهل كان قدر الله علينا أن تكون بيننا.. أما حالك المؤسف فعذرا قد تجاوز كل الوصف.
لاتستغرب ياسيدي الكريم ياكثرهم هذا الزمان …
زمن التخلي عن المبادىء وزمن المادة …
Monira