عند الحديث عن وسائل الإعلام والتعريف بها، لابد أن نذكر مقولة العالم “أوتوجروت” عندما عرفها بأنها (تعبير موضوعي يستطيع أن يخاطب عقلية الشعب وروحه وميوله وكذلك اتجاهاته، فيستطيع أن يؤثر فيهم بهذه الأدوات)، فوسائل الإعلام تهدف لتثقيف الشعوب بمختلف أنواع العلوم من شتى بقاع الأرض، فهي تعتبر الجهاز العصبي للعملية التنموية، وركيزة أساسية لبناء وتطور المجتمعات؛ حيث تشكل محورًا أساسيًّا في تنمية الوعي لدى الأفراد وتثقيفهم تجاه القضايا المحلية والعالمية من خلال تغذية المجتمع بالمعلومات والحقائق وآخر المستجدات، فدورها التنموي كان واضحًا وجليًا في سياسات ومنهجيات المؤسسات الإعلامية من خلال سلوكها النابع من الإدراك بأهمية اختيار الموضوع أو القضية وفق ما يتناسب مع منظومة القيم والأعراف المجتمعية دون أن يُخل بها، بالإضافة إلى انتقاء الشخصيات المتخصصة والمناسبة ممن يملكون ثقافة عالية تجعلهم يُفيدون الجمهور بكل المعلومات الأساسية والجوهرية للموضوع المطروح؛ وبذلك يكون الحوار والنقاش عبر وسائل الإعلام قد حقق الفائدة المرجوة منه، لكن ما يُلاحظ في الفترة الأخيرة في البعض من المؤسسات الإعلامية والقنوات التلفزيونية تحديدًا هو التغير الكبير لهذه السياسات والمنهجيات التي تأسست عليها وسائل الإعلام إلى مفاهيم وسياسات أخرى، فعلى سبيل التوضيح أصبح اختيار الضيف في بعض البرامج التلفزيونية يعتمد على معايير مختلفة، فالأسلوب المتبع في انتقاء الضيف قد اختلف عن السابق من أهمية كون الشخص ذو ثقافة عالية تساعده على تقديم محتوى يؤهله للظهور الإعلامي، إلى معيار يتعلق بمدى نسبة المشاهدة التي يحققها الضيف حتى وإن كانت ثقافته منخفضة ومحتواه غير هادف ولا قيمة له مجتمعيًا، هذا التغير الكبير في منهجية بعض وسائل الإعلام وسياستها هو تغير وخيم وغير تنموي, فالدور الرئيسي لهذه الوسائل هو التوعية والتثقيف، وعمل كل السبل المحققة لهذه الأمور التنموية، وهذا ما يتنافى مع ما تقوم به البعض من الوسائل الإعلامية بتقديم شخصيات فقيرة معلوماتيًا وهشة ثقافيًا، وتهميش من يستحق الظهور بها، فلذلك يجب أن تُدرك وسائل الإعلام مدى الخطر والضرر المجتمعي الناجم من رعاية واحتواء هذه الشخصيات؛ لأنهم بذلك يحولونهم إلى مكانة الأبطال والمُلهمين لغيرهم، وبذلك تصبح وسائل الإعلام قد ساهمت في صُنع المزيد منهم، الأمر الذي هو عائق للعملية التنموية.
0