المقالات

الشعب في عيون ولي العهد

أشكر الشعب السعودي الجبّار لقيامه بعمل رائع”: أنتم من نشكر سمو الأمير

فرصةٌ تلو أخرى يقدِّمها لنا سموُّ سيدي وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان من خلال حديثه الشفاف والمباشر الذي تناقلته كلُّ وسائل الإعلام العالمية قبل المحلية، حديثٌ ملؤه الإيمان العميق والمراهنة على “الشعب السعودي الجبار” حسب وصف سموه، فتارة يصف همة الشعب السعودي كجبل طويق، وتارة أخرى يشكر “الشعب السعودي الجبّار” لقيامه بعمل رائع. وعندما يراهن القائدُ على فريقه فلابد أن يكون الفريق على قدر الرهان.
أمرٌ هامٌّ يطفو على السطح عندما يقول سموُّه المملكة وضعت ملف البطالة كأحد أولوياتها؛ وقال : “زيادة معدلات التوظيف هي على رأس أولويات الحكومة فقد بدأ العمل وفق رؤية 2030م على إصلاح سوق العمل وتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين والمواطنات، ووضعت رؤية 2030 الوصول إلى نسبة بطالة 7% في العام 2030م كإحدى أهدافها.” لأن هذا يعني النظر بعين الاعتبار لتوطين الوظائف، وأعني به هنا توطين الوظائف الجامعية. ولكن هناك أمور عادة ما تثبط محاولات التوطين لوظائف أعضاء هيئة التدريس منها: عدم امتداد التخصص بين البكالوريوس في مراحل الدراسات العليا، وفي هذا الأمر اختلاف في الرأي بين المتخصصين، وأرى أن تعامل كلُّ حالة بشكل فردي لاسيما أن العالم اتجه منذ خمسة عقود أو أكثر إلى الاعتراف بالتخصصات البينية وتشجيعها. وفي مراجعة سريعة للوائح الجامعات العالمية؛ فهناك ما يعزز هذا التوجه البيني، بل إن جامعات عالمية مثل جامعة هارفارد الأمريكية وجامعة ماكجيل الكندية وغيرهما من جامعات ذات سمعة عالمية مرموقة تقدم برامج دكتوراة للدراسات البينية على سبيل المثال– أو ما يسمى Ad hoc PhD كما حذت جامعة الملك فهد وبعض جامعات القطاع الخاص منحى قبول توظيف أعضاء هيئة التدريس بغض النظر عن تتابع تخصص البكالوريوس وامتداده، وتعتبر الكثير من الجامعات هذه التوجه ميزةً هامة، فمتخصص الهندسة الذي أكمل دراسته في تخصص إدارة الأعمال قد فتح لنفسه آفاقًا هامة تضيف لكفاءته المهنية ولا تنقص منها، وكذلك الحال للمتخصص في الطب الذي عزز تخصصه بتخصص إداري. ومعنى هذا أنه لا يمكن معاملة تتابع التخصص وامتداده بمعيار الرفض التام وبعمومية كبيرة، بل يجب دراستها كحالات فردية. إلا أن شرط امتداد التخصص كان ولا زال عائقًا أمام سعودة وظائف التعليم الجامعي.
الأمر الآخر الذي يشكل عائقًا أمام التوطين هو عدم وجود أرقام وظيفية في ديوان الخدمة المدنية، وفي هذا الصدد يمكن الاستفادة من تجارب دولية، وذلك بعقود تبرم بين المواطن والجامعة تحفظ حق الطرفين في التوظيف، وهو أيضًا أمر متعارف عليه في جامعات عالمية، وقد عملت كاتبة هذه السطور بعقد عمل في جامعة عالمية وكانت خبرة ممتازة لا تقاس بالمردود المادي. ويطلق على عضو هيئة التدريس في هذه الحالة Adjunct Professor حيث “يُعرَّف الأساتذة المساعدون بأنهم أساتذة يتم تعيينهم على أساس تعاقدي، وعادة ما يكونون في وظائف بدوام جزئي. يقوم أعضاء هيئة التدريس المساعدون بتدريس الدورات تمامًا كما يفعل الأساتذة في الدوام الكامل، لكنهم معفون من بعض مسؤوليات المدرسين الجامعيين العاملين بشكل كامل”.
السبب الآخر الذي يظهر على السطح في رفض توظيف المواطن هو عدم وجود الخبرة الكافية أو عدم كفاءة المتقدمين من المواطنين، والحق أن هذا لغزٌ لم أستوعبه بعد مرور سنوات طويلة من العمل في التعليم الجامعي، فلطالما شاهدت ترددًا كبيرًا جدًّا في توظيف المواطنين من قبل مسؤولين ولا أجد مبررًا لذلك. وكثيرًا ما يُعزى هذا التردد الى الخوف من ألا يكون المواطن على درجة عالية من الجاهزية أو عدم توفر الخبرة الكافية، وبالتالي فإن توظيف المواطن –حسب قول بعض المسؤولين– بشكل مباشر وبوظيفة دائمة “قد يشكل عبئًا على المؤسسة عكس من يتم استقطابهم، حيث يمكن إنهاء التعاقد معهم في أي لحظة،” وهذا غير صحيح؛ لأننا بالفعل نستقطب مَن ليس لديهم خبرات جامعية إطلاقًا، ونقوم بعملية تدريبهم بشكل مستمر، وبالتالي أسهمنا في تهيئتهم للتعليم الجامعي، ثم يُهدر هذا التدريب بانتهاء عقودهم ومغادرتهم إلى أوطانهم، وأرى أن من الأفضل استثمار هذا الجهد والتدريب في المواطن. كما أن أحد الحلول المطروحة هو أن تكون هناك برامج لتدريب وتأهيل الراغبين في الانضمام للتعليم الجامعي، وتكون بمثابة التهيئة من خلال التدريب المنتهي بالتوظيف كما هو الحال في مبادرة تدريب خريجات الكليات العلمية في تخصصات (الأحياء) للانضمام للعمل في المستشفيات في تخصص المختبرات الطبية. وبهذا نستطيع تمكين المواطنين الحاصلين على مؤهلات معينة من ممارسة الفرص الوظيفية المتاحة بعد تأهيلهم عليها.
الأمر الثالث والأخير الذي تكرر كثيرًا في سياق الحديث عن توطين الوظائف في التعليم الجامعي هو أن التصنيفات العالمية مثل تصنيفQS تعزز من تنوع الجنسيات في أنظمة التعليم الجامعي، وبمراجعة دقيقة لهذه التصنيفات فإن التنوع المقصود في التصنيفات ليس محصورًا في تنوع جنسيات أعضاء هيئة التدريس والموظفين؛ ولكنه يشمل تنوع جنسيات وأعراق الطلبة والأساتذة الزائرين، كما أن التنوع يشمل تنوع النوع (ذكورًا وإناثًا)، وتنوع القدرات ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة من الطلبة والعاملين. ولايعني هذا بأن هذه دعوة للاكتفاء بالعنصر الوطني، بل إنني أؤكد على أهمية التنوع في مؤسسات التعليم الجامعي، لكن بقدر معين وكفاءات نوعية من مختلف دول العالم، وعلى كافة المستويات؛ الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وجعل الجامعات السعودية بيئة جاذبة للأساتذة الزائرين من مختلف الدول، وتبني هذا الفكر سوف يسهم بلا شك في تعزيز البيئة العلمية والأكاديمية. كما أؤكد على أهمية استقطاب الطلبة الدوليين المتميزين، وهذا بدوره سيسهم في رفع التصنيف الجامعي إذا كان أحد الأهداف الهامة.
في هذه الحلول الإستراتيجية توجه حقيقي لدعم توجهات ورؤى وطنية طموحة، وفي القيام بهذا تحقيق لما قاله سمو ولي العهد: “زيادة معدلات التوظيف هي على رأس أولويات الحكومة، فقد بدأ العمل وفق رؤية 2030على إصلاح سوق العمل وتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين والمواطنات، ووضعت رؤية 2030 الوصول إلى نسبة بطالة 7% في العام 2030م كإحدى أهدافها.” ولأن قطاع التعليم الجامعي يُعدُّ من أهم القطاعات الحيوية والهامة وليس هناك أهم من توطين الوظائف فيه، لاسيما أن هناك ارتفاعًا في نسبة بطالة الحاصلين على الشهادات العليا من خلال بعثات خادم الحرمين الشريفين، حيث وصلت النسبة حسب المرصد الوطني وهيئة الإحصاء السعودية في عام 2017 أن عدد العاطلين من حملة الدكتوارة والماجستير 5867 تصدرهم الإناث ب 4970. ووفق موقع الإحصاء السعودي عن الربع الأول والثاني من 2020 ولأن فئة النساء تمثل 64% من إجمالي نسبة البطالة. وبلغت النسبة 59% من العاطلين السعوديين الذين يحملون شهادات عليا بحسب تحليل لوحدة التقارير في صحيفة الاقتصادية مع انخفاض ملحوظ لمعدل بطالة السعوديات ولكنه نسبي؛ فحريٌّ أن يُقترح باستقطاب الحاصلات على شهادات عليا وإجراء اختبارات وفق معايير تحددها الجهات وتشرف عليها وزارة التعليم، ثم إبرام عقود تنتهي بالتوظيف وفق شروط ومعايير محددة. وهنا أيضًا يمكن الاستعانة بمراجعة الممارسات العالمية المعمول بها منذ عقود في التحول إلى نظام tenure track position أي خط تهيئة عضو هيئة التدريس إلى طريق الوظيفة المستمرة، وأزعم أن في هذا التوجه تحولًا حقيقيًّا لمعنى الاقتصاد القائم على المعرفة.
إن تأكيدات سمو ولي العهد بأنه: “سيكون هدفنا التالي هو تحسين دخل المواطن”، وقوله: “ونعتقد أن البرامج والسياسات التي وضعتها الحكومة ستمكننا من تحقيق نسبة بطالة 7% قبل 2030م”؛ لذا فإن النظر بعين الاعتبار للنسب من العاطلين الحاصلين على الدراسات العليا تجعل المسؤلية في تحقيق تطلعات القيادة الحكيمة أولى أولويات صناع قرار التوظيف الذي ينبغي أن يشمل قطاعات التعليم الجامعي.
ولاشك أن هذه الرؤية والتطلعات ستسهم -بمشيئة الله- في إعادة النظر في أهمية توطين قطاع التعليم الجامعي وفق آلية معينة تحقق الاستدامة لهذا التوطين وتخدم الوطن اقتصاديًّا ومعرفيًّا.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button