وطن وسانب، وقصر دعشوش، ووطن آل مخالد “محايل الجود والوعي”، عبقرية الانسان، وهمة القيادة، الانصهار بين من غادروا ومن سار على خطى “تركي بن طلال” التي أتت متسارعة نحو إعادة إعمار الأرض، ومسرح العرض الذي اخترق الجدار الرابع بهمة وحماس الشباب والشابات، وجيل الأمس الذي يحن للماضي قبل رقصة الموت.
حكاية غريبة وجميلة ومخيفة ومرعبة وقفت مع رفاق الدرب “قزمية” على مشارف المحطات الثلاث وشاهدت بقايا من رحلوا عن الصخرة الصماء، سمعت همسهم للشجر والحجر؛ وكأنهم ينبهون قرون الاستشعار لدينا بأن عمر الإنسان ثوانٍ يصرفها بين عشية وضحاها، فلا يغر بطيب العيش إنسان، في وسانب همس الحقيقة، وفي قصر دعشوش تعرية الواقع، وفي آل مخالد بوح الرصيف المزدحم بالباحثين عن فرصة التنفس تحت الماء!
اقتربت من “الكترة” فسمعت أنين من نحتها من رصيده الزمني، وسمعته يسأل من سرق رغيفي؟ ولم يعلم إن كل ثانية صرفها أخذت شقاء العمر كله، شميت رائحة المجهولين تعبث بالمكان، وتنتهك ناموس الحياة، وتبيع بضاعتها الرخيصة لتدمير شباب أبرياء ذهبوا للمجهول، سمعت الإسطوانة المشروخة تدندن حول أمر المعاناة من بلدية تجاهلت الجهود الهائلة، وتسمرت أمام لوائح جافة !!!
كل أعضاء “القزمية” مشوا على خطى القائد الديناميكي، وقرأوا ما بين سطور الحياة بزوايا مختلفة في التحليل، والتفكير أثناء سماعهم زلفة ومهراس الخطوة والقزوعي، كلهم شركاء في تتبع الخطوات مع تفاوت قدرة التحمل لعشر محطات في يوم لقائد لا يراعي أن لنفسه حق، مقابل ثلاث أنهكتنا، وأتت الترجمة الفعلية على أرض الواقع الذي استنفذ رصيد ثواني من سبقونا، وأتينا بنفس الثواني لنغادر وكأننا مجرد عابري سبيل، أو مستظل تحت ظل شجرة لعبور جسر الحياة التي تبرهن لنا المشاهد أنها لا تساوي عند رب العزة والجلال جناح بعوضة.
لو استعمل أعضاء “قزمية ساعة” ترصد الثواني التي اشتروا فيها ثمن الجولة لعلموا كم كان الهدر الفعلي لمن سبقوا، وقد يعيدون صياغة حياتهم برمتها، ولو يعلم “حليم” بنهايته ما كان بدأ، ولو توقف التعامل التسويقي بالمال، وتحول إلى الصرف من الساعة العمرية لعلموا أهمية، ووزن صخور تلك الجبال التي عبرنا بينها وتجاهلنا خلافاتها الحادة التي وصلت ذروتها، وهم يسمعون دندنة المليارات فوصل منها فتات الموائد، ولو كانت حصالة “الساعة الرقمية” تُحسب ما يوازي هذه المليارات من “ثواني العمر” لشهقت ثم توسدت التراب.
لن أتوقف عند فقراء وأغنياء “العمر” فكلهم يصرفون أكثر من ثمانية آلاف ساعة سنويًّا نصفها نوم وثلثها أكل ومرعى وقلة صنعة، وفتح ملفات أثم ماحاك في النفس، وجزء يسير للعبادة والتفكر في ملكوت الله، والباقي يذهب في مهب الريح واسألوا “الجون دون” صاحب الشمعة.
لو قالت لك الساعة العمرية إن من بنى وسكن وسانب، وقصر دعشوش، ووطن آل مخالد ذهبوا، وإن باقي من رصيد الثواني لديك قليل جدًّا فمن أين تحصل على رصيد يمنحك فسحة من الزمن؟ أكيد ستتذكر أن كل الذين تعاملوا معك بالساعة الرقمية أخذوا من رصيدك إلا والديك منحوك كل أرصدتهم.
والديك احتضناك ثم غادرا في مشهد دراماتيكي يعطي مدلولًا حقيقيًّا لمحطة قطار واسانب ودعشوش وآل مخالد، مشهد مربك للذاكرة المثقوبة، مشهد ينبش المعنى الحقيقي لمن يعمل مثقال ذرة خير أو شر، مشهد يكشف لك توقف شحن بطاريتك وقرب نفاذها فهل راجعت حسابات؟
على خطى “تركي بن طلال” وضمن السير في الأرض مع مجموعة رفيعة المستوى مررنا بالديار واتعظنا، وفهمنا الترجمة الفورية من الشجر والحجر، وسمعنا ساعة العمر، ومحطة البداية ولا نعلم أين محطة النهاية، فلله دُر أمير الهمة الباحث عن القمة، مثير الدوافع الإبداعية الذي أسهم في بناء سياحة ثقافية معرفية، واستدامة للموروث بلغة فيها متعة وتشويق وعبرة “أفلا ينظرون، ويعتبرون”؟
ركزة
العمر لحظة ثواني تمر كالطيف، وللأسف نفقد ثلثي الرصيد في هنبكة سردية بلا معنى جعلنا الله، وإياكم من القليلين.