قال صاحبي: هل للكلمة قوة؟ وهل تكتسب قوتها من قائلها؟، أو من معناها؟ أو من توقيتها، أو من مضامينها الخفية؟ وهل أصبح للكلمة قوة بعد الفوضى الاتصالية الناشئة عن التطورات التقنية الحديثة؟
للكلمة سحرها وتأثيرها على المتلقي، بأي وسيلة كانت، “إن من البيان لسحرًا” فهي ليست حروفًا مجمعة، ولا ذبذبات مسموعة، لكنها تحمل في داخلها طاقة إيجابية، أو سلبية على قائلها أو متلقيها، وليست كما يعتقد البعض بأنها كلمة تمر ولا تضر، فالكلمة تكتسب قوتها من قائلها، فكلمة السياسي تؤخذ على محمل الجد، فعلى سبيل المثال ماذا يحدث عندما يغرد الرئيس الأمريكي ترامب بكلمات لا تتجاوز حروفها (280) حرفًا؟؛ يسهر الخلق جراها ويختصم.
فالخطاب السياسي ليس مجرد كلمات أو تراكيب لغوية، فله مطابخه الخاصة بإشراف مختصين مهرة لتجهيزه وإعداده بما يتوافق مع كل مناسبة، داخلية أو خارجية، معبرًا عن أجندة سياسية ورؤية استراتيجية ومشروع مستقبلي في طور التكوين، فالسياسة في مجملها، هي البراعة في توظيف قوة الكلمة.
فللكلمة قوة في مضامينها الظاهرة والكامنة، في جميع شؤون الحياة، فالزواج يتم بكلمة، والحرب تبدأ وتنتهي بكلمة، فليس هناك اتصال بري، كما يقرر علماء الاتصال والإعلام، وفي لغة الإعلام السياسي أصبح للكلمة هويتها ودلالاتها، فعندما تذكر كلمة “النظام السياسي”، في سياق الحديث عن بلد ما فلا بد أن تعلم أن العلاقة بين البلدين ليست على ما يرام، كما ساهم الفضاء الإعلامي بتوحيد المعاني وباختصار الجغرافيا في مساحات ضيقة، جعلت من كلمات مثل دعشنه، وشبيحة، وغيرهما مجازات لفظية تمتلك طاقة شديدة الخطورة لوصف جماعة أو بلد من البلدان بهذه الأوصاف.
ولأن الكلمة صناعتها، فقد استضافت كلية الإعلام والاتصال هذا الأسبوع المستشار والخبير الدكتور فرانك لونتيز للحديث عن قوة الكلمة، أدار اللقاء الأستاذ الدكتور محمد الحيزان، الذي قرأ المشهد جيدًا، وعرف رغبة الضيف بالحديث لجمهوره مباشرة، فاكتفى بالتعريف به، وأعطاه المجال للحديث، واختص نفسه في نهاية اللقاء بسؤال في غاية الأهمية حول قيمة الكلمة في الفضاء الاتصالي المفتوح.
ما أود الإشارة إليه أن مدير الحوار لم يتحدث طيلة اللقاء إلا بكلمات معدودة تحسب لفطنته، وخبرته، ولكنها كلمات قوية، وهذا ما يجب أن يعيه كل متحدث، فقوة الكلمة، ليس بعددها، بل في معناها، وأتذكر جيدًا أني تلقيت أسئلة متكررة من بعض القنوات الفضائية، عمّا يعنيه الجبير -عندما كان وزيرًا للخارجية-، وسأله مراسل قناة الحرة الأمريكية، وهو يهم في ركوب سيارته، “حذرت الأسد إما التنحي أو العمل العسكري، من يمكن أن يقوم بهذا العمل العسكري؟، ليكتفي الجبير بإجابة من كلمة واحدة هي: “بتشوف”.
قوة الكلمة يغفل عنها الكثير، ويتجاهلها البعض، ويتعمد استغلالها البعض الآخر، فالكلمة رداء الأفكار، فاختر الرداء المناسب لكلماتك، واعلم أنه لا توجد كلمات إلا وتحمل رسائل في باطنها، وابتعد عن تزاحم الكلمات وكثرة استخدام المترادفات، فمن كثر كلامه كثر سقطه، خصوصًا ونحن في عصر اتسم إيقاعه في السرعة، فمن خلال تويتة محدودة الكلمات يخاطب السياسي جمهوره، وتسوق الشركات لمنتجاتها، وتخاطب الأندية الرياضية جماهيرها.
فالعبرة باختيار كلمات دون غيرها، تُقال بطريقة مخصوصة، وهو ما يشكل 38% من مهارات الاتصال، لذا تلجأ الشركات التجارية عند التسويق لنفسها، بالبحث عن كتاب المحتوى المتميزين (المضمون) ثم بالاستعانة بوسطاء (المشاهير) لنقل رسائلها إلى جمهورها، في الوقت المناسب(التوقيت).
قلت لصاحبي:
“رب قول أشد من صول”.
0