إن السفن التي تجوب عباب البحار تستطيع الرسو فوق الماء في حال وقوع أي ظرف طارئ، وبالتالي لا تتعرض لأي مشكلة مع الجاذبية طالما أنها كانت موزونة الحمولة حول مركز جاذبيتها، ولم تثقب أو تحمل وزنًا فوق طاقتها، وقدرتها.
وكذلك السيارات التي تمشي على الأرض فمهما كان نوعها وموديلها يمكنها عند حدوث أي خلل طارئ أن تقف في أي لحظة على أي جانب من الطريق مالم تكن السرعة فائقة، ولكن المعضلة هي في الطائرات التي لا يمكن أن تقف في الهواء إلا إن هبطت على الأرض، فهي وإن كانت جسم طائر يطير في الهواء فهي مازالت مركبة ذات جسم وثقل، وتؤدي خدماتها كما يريد القبطان، ولكن عند وقوع الخلل فلا يمكنها الوقوف من ساعتها بل عليها أن تهبط على الأرض صالحة للهبوط، وهي في حالة جيدة لتقف وقوفًا تامًا عندها فقط يتمكن المختصون من صيانتها وإصلاحها فلم يتم حتى الآن اختراع أي نوع من أنواع الصيانة الجوية الطارئة التي تمكن المختصون من إصلاح الطائرة وهي في الهواء إذًا فالصيانة الجوية أمر غير متوفر حتى الآن.
ولنعد إلى أول خطوة من خطوات التحدي فالطائرة ابتداءً لا تستطيع الطيران في الهواء إلا أن كسرت الجاذبية الأرضية لحظة الإقلاع بنجاح فمعادلة كسر الجاذبية هي معادلة بسيطة “كل وزن يحتاج للوصول إلى سرعة معينة؛ كي يبلغ نقطة كسر الجاذبية ليشرع في الطيران شرط وجود كثافة هوائية متوازنة عندها فقط يستطيع الإقلاع من الأرض إلى السماء”، وعند بلوغ الطائرة لتلك السرعة يشرع الربان في الإقلاع بالطائرة – فلا إقلاع إلا بكسر الجاذبية – ثم ما تلبث الطائرة أن تتغلبت على الجاذبية تمامًا عندما تنهي مرحلة الصعود إلى مسارها المخصص لها في أعلى طبقات الجو؛ حيث عليها أن تثبِّتَ ارتفاعها وسرعتها في مسارها الهوائي لتبدو للراكب؛ وكأنها واقفة لا تتحرك بينما هي حقيقة تسبح في الفضاء وسرعتها الأرضية قد تجاوزت الألف كيلو متر في الساعة وارتفاعها عن الأرض قد تخطى عشرات الآلاف من الأمتار في السماء – وهنا يمكن أن نقول بأن الطائرة قد تمكنت من إلغاء تأثير جميع عوامل الجاذبية لتبدو من الأرض؛ وكأنها نجمة في السماء لا تتحرك – ولكن المشكلة هي عند وقوع أي خلل فعليها الهبوط إلى الأرض بكل سلامة كي يتم صيانتها وإصلاحها فلك أن تتخيل وقوع أي قصور أو خطأ في التصميم أو التنفيذ كيف ستكون نتائجه كارثية على الطائرة والأرواح التي بداخلها في الهواء إن لم تستطع أن تهبط الهبوط الآمن على الأرض.
علمًا بأن الطائرة في الهواء تصبح كالبالونة تمامًا؛ لأن الضغط في الأجواء العليا منخفض جدًّا، بل شبه معدوم والحرارة الخارجية منخفضة جدًّا بين العشرين والثلاثين درجة مئوية تحت الصفر، وبالتالي فحياة الإنسان في الطائرة مستحيلة وقاتلة مالم يتم تكوين ضغط جوي صناعي موزون الضعط بما يعادل 1 بار والحرارة داخل كبينة الطائرة تكون حرارة غرفة عادية، فالضغط الجوي يقل بالارتفاع عن سطح الأرض، وبالتالي يقل معه الأكسجين في الجو مما يكون له تأثير على الكائنات الحية التي تتنفس ذلك الهواء، وتحتاج للأكسجين في تنفسها، وذلك ما يتم حسابه بدقة عند بناء الطائرات.
ولمعرفة تأثير الارتفاع على الإنسان إليكم الإيقاعات التالية:
-عند الصعود وصولًا إلى ارتفاع 2400 متر: يتعادل الضغط داخل طائرات الركاب، ولا يكون له تأثير على الناس وهو أعلى مستوى طبيعي لا يؤثر على التنفس.
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 2500 متر: يبدأ بعض مرضى الجهاز التنفسي بالشعور بالدوار.
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 3500 متر: يشعر نحو ثلث الناس غير المعتادين على ذلك النقص بالشعور بالدوخة والإنهاك.
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 4000 متر: يشعر 95% من غير المعتادين بالدوخة والإنهاك ومرضى الجهاز التنفسي سيكون معرضين لأزمات حادة.
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 5500 متر: يستطيع البعض القليل من الناس العيش على هذا الارتفاع دون أي مساعدة، وتبلغ كمية الأكسجين على هذا الارتفاع نحو نصف كميته عند سطح البحر.
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 7500 متر: هنا تبدأ المنطقة القاتلة: فمتسلقي الجبال لا يستطيعون البقاء على ذلك العلو أكثر من يوم بدون أنابيب الأكسجين عادةً.
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 8848 متر: أعلى نقطة على سطح الأرض، وهى تعادل قمة جبل إفرست فلا أحد يستطيع البقاء على ذلك العلو من دون وجود أنابيب الأكسجين على الإطلاق
-عند الوصول إلى وتخطي ارتفاع 12192 متر: وهو متوسط ارتفاع مستوى طيران الطائرات التجارية، وهنا لن يبقى أحد على قيد الحياة ألبتة فلا ضغط ولا أكسجين؛ لذا يجب إمداد كابينة الطائرة بالهواء المضغوط من الخارج مع ضبط درجة حرارته؛ ليكون موازيًّا للضغط الجوي الأرضي فيتمكن من بداخل الطائرة من التنفس، والبقاء أحياء دون وجود أدنى مخاطر داخلية على حياتهم، ناهيك عن شدة ارتطام الطائرة بالهواء الخارجي الذي يضربها، وهي في سرعة تزيد عن الألف كيلومتر في الساعة؛ لذا لابد من وجود أجهزة للتحكم بضغط وكمية الهواء الداخل وبرودته في تلك السرعة العالية، والرياح العاتية المعاكسة، والبرودة الشديدة؛ لتصبح الحياة داخل الطائرة آمنة ومريحة ومستقرة.
—————————
خبير في صناعة الطائرات وصناعة الطيران
تبارك الله زادك الله علما و نفع بك البلاد و العباد