أكاد أورط نفسي في الحديث عن الشاعر محمد الثبيتي (سيد البيد)، وسيد الشعر، ومروّض القصيد كماورط نفسه “في اقتحام مجاهل الشعر وذرع متاهاته المسحورة.
“كما قال عن نفسه؛ إلا أن جملتين رصّعتا رواية (صدفة ليل) للكاتب والروائي ( عبده خال ) – هما عنوان هذا المقال-إهداءً لي قبل خمسة أعوام في معرض الكتاب في جدة، استدعى حضورهما عندي ماتغشّى (بوابة الريح)
في أيام خلت، فأيقنت أن (عبده خال) أحدس، فأصاب؛
كان ومازال (سيد البيد) يمتطي صهوة الأيام، ويتربع عرش القلوب، عند القريب والبعيد، الشاعر والناقد، يقول أحدهم: “سيد البيد أشعل الأقلام من بعده، واستمطر النقاد، واستوقف المبدعين إجلالًا واحترامًا لإبداعه، الذي خلّد اسمه، سيأخذ حقه بعد مماته، إن فاته في حياته.”
وهاهو الشاعر المصري (أحمد محمد حسن)، والفائز بإحدى جوائز الإبداع يترنم شعرًا:
“ياسيد البيد يابن النور يا قمرا
في قلبك الصبح حي كله روح
دام ابتسامك للدنيا نجوم رؤى
مهما يطل ليلهم فهي المصابيح”،
وليس ببعيد عن عبده خال الشاعر حسن الزهراني، قائلًا:
إيه يا سيد البيد:
كيف رحلت؟
وخلفتنا في جحيم المعاناة نندب
(شمسًا تهاوت وبدرًا هلك)..
إيه يا سيد البيد:
من أين للشعر بعدك
ثغرٌ وقيثارة ونجومٌ تزين صدر الفلك ؟..
وكما يرى بعض النقاد بأن محمد الثبيتي ” يجلس على كرسيين، ولا يسقط بينهما “فكما أنه لا يسقط، فهو لا يُنسى وتجربته الخالدة لن تموت، وسنبقى نغني معه، كما يقول الدميني : «إن محمد الثبيتي الشاعر والإنسان قد رسم لوحة خالدة، لم تستطع الحروب الظلامية أن تنال من عظمتها، وسوف لن يكسرها الموت ولا النسيان؛ حيث ستبقى فنارًا عاليًّا، يتأمله محبو الشعر والوطن والحرية، عبر الأزمنة كلها وتعاقبالأجيال، وسوف نبقى نغني معه: أدر مهجة الصبح صب لنا وطنا في الكؤوس».
ولعل ماينضح بالصدق عن تلك التجربة الخالدة، والأداء المميز للشاعر الذي يعدّ في حدّ ذاته غناءً، وليس ككل غِناء، فقصيدته غناء كمايقول الشاعر المصري(سمير فراج”في غنائية هامسة بعيدة عن صخب الإبداع، وعبر صوفية شفيفة وذاتية خافتة، تبزغ حينًا، وتتوارى أحيانًا، أسس محمد الثبيتي لقصيدته.”
وإذا كانت قصيدته غناء، “فحنجرته منحوتة تجاويفها للغناء” كما قالت صحيفة العرب التي ترى أن السرّ في ذلك “يكمن في حنجرته المنحوتة تجاويفها للغناء الشعري انطلاقًا من الصدر. أي في فرادة صوته المنطوق الذي يوحي بالبدائية، ليس بالمعنى الثقافي، ولكن بالمعنى الغريزي. فهذا الصوت المبرّأ من شُبهة تمثيل الوجع، المسكون بتراجيديا تمثّل كل ما هو إنساني، يُحسن الإفضاء بالنبرة، أي التعبير بالنغمة عن التمثيل العقلي، بل حتى عن التفكير المجازي.”
فكان الثبيتي بذلك “نموذجًا لتجربة متفرّدة، وكانت في هذه التجربة آليات متميزة عن غيرها “كمارأى الناقد عالي القرشي.
ولن أكون مبالغًا إن قلتُ: نحتفي بشاعرية محمد الثبيتي وشعره، ونعتدّ بأنفسنا، كلما عنّ لنا وميض برق، ولعل السريحيي حينما قال ذات مساء “إن احتفاءنا بالشاعر محمد الثبيتي هو احتفاء بأنفسنا بأن بلغنا نضجا بأن نقيم هذه التجربة ونحتفي بها”.
لم يكن مجانبًا للصواب.
ولو أن محمد الثبيتي، جعل من القصيدة خطًا أحمر:
القَصِيدةُ
إمَّا قَبَضْتَ عَلَى جَمْرِهَا
وأذَبْتَ الجَوارحَ فِي خَمرِهَا
فَهْيَ شَهدٌ علَى حدِّ مُوسْ
فنقول: ياسيد البيد ..مَن يُغنّي بعدك؟!!
أخيرًا:
أتمثّل مانشيت إحدى الصحف:
“غاب ولم ينطفئ، ومات ولن ينسى؛ غاب سيد البيد وأُغلقت بوابة الريح”.