المقالات

ضحية التفاعل المتسلسل

هل كنتَ يومًا طرفًا في تفاعل متسلسل؟
نوع ذكي جدًّا من التفاعلات، يقوم بنسج خيوط البدايات فقط ثم ينتهي دورة في ساعة الانطلاق؛ ليقوم غيره بالعمل نيابة عنه، ولهذا يُسميه أهل هذا الفن بتفاعل تتابعي لناتج يصنع آخر.
هذه فلسفة التفاعل المتسلسل، وكثيرًا ما نُحاكي هذا التفاعل في حياتنا حين ننجر طواعية لصناعة ناتج يخدم البداية أكثر مما يخدمنا نحن، ويتفاقم الإشكال مع ذلك الحرص الغريب والحماس المنقطع في هذا التيار، فنحن باختصار محاربون بلا هوية، نصنع النتيجة دون استطعام مغانمها، ونتقن إيصال تلك التفاعلات إلى انطلاقات أخرى دون أن تدون أسماؤنا في نهايات تلك الحروب.
يصنع منا الآخرون كرة غضب تلتهم أرواحنا وتفتك بأجسادنا، فنكوّن بردات الفعل جزء من ذلك الفعل الذي لن نكون يومًا نقطة انطلاق له، بل وننكر ذلك ببالغ الإنكار، فكيف نصبح جزءًا منه؟
التفاعل المتسلسل هو من يشرح هذا من خلال شخصياتنا المستفَزة حينًا واللا واعية حينًا آخر، فما تترفع ألستنا عنه -مثلًا- نجزم أنه أرض محرمة ولن نكون يومًا ممن يشك خيط بإبرة في هذا، وبمجرد أن يُقحمنا أحدهم فيه سرعان ما تكون ردة الفعل تتابع متسلسل لذلك الفعل، وتنميط على غرار، وتشكيل مسبق لكل ما تم رفضه في سابق، وسمعت مرة شيخًا كبيرًا يجمل شيئًا من هذا بقوله: “إننا ننأى بأنفسنا أن نلج في عرض أحدٍ ابتداءً، ولكن بمجرد أن تعلق تلك الجثة نتسارع إليها مع أننا لم نجرؤ أن نعلقها بادئ الأمر، ولكن بطريق أو بآخر كنا جزءًا من ذلك المشهد المقيت، والذي نتفق جميعًا في رفضه، أليس ذلك بتفاعل متسلسل؟
لو قدّر لك أن تُرمى بما يهن في عزيمتك، ويحط من شأنك مع أحمق لا يعرف قدرك وذليل لا يقدر عزك فما أنت هنا إلا صامد تمزق يوشك أن يتمزق أو أن تأخذ مقعدك في هذا التفاعل فيفتُ في عضدك على الحقيقة، وتعطي هذا وغيره ما يتمنوه من خلالك أنت، فهم لم يصنعوا سوى إطلاق صافرة البدء لتكملَ أنت ذلك المشوار، وتنجز المهمة، وتصبح قيمة مهمة في ذلك التسلسل المهين.
الإرهاب -مثلًا- وذلك التطرف، وتلك النفوس التي خرجت عن تأطيرها الفطري إلى تأطير صنعه الآخر ليس سوى تفاعل متسلسل قام الشيطان بعقد ناصية الانطلاق، وأكمل الجهلاء ذلك التسلسل بأحسن مما خطط له إبليس ذاته.
بعض الانفجارات التي تحدث في أرواحنا والانكسارات التي تتعاقب بين الحين والآخر هي أصيلة في هذا التتابع، وحقيقة في هذا الركب إذ كيف نجعل مدخراتنا قابلة لعبث الآخرين، لنصبح أنا وأنت من يحارب نفسه ويهدم بيته، وكأنها حرب بالوكالة نحن فيها الضحية والجلاد.
وأخيرًا…. كل ما مر ليس سوى تتابعات مؤسفة، وفي كل غرفة مظلمة نافذة للجميل وباب يخرجك إلى الضوء، والضوء هنا أن تكمل طريقًا أعيا الآخرين وتتفاعل في تسلسل يبقيك قيد الإنشاء، وعلى أقل تقدير كنْ نقطة الانطلاق لتلك التفاعلات البيضاء التي يعجزني فيها الحصر، ويخالفني فيها النثر.

فتش في تاريخك، وتذكر كم مرة كنت جزءًا في تفاعل لا يليق..

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button