المقالات

دون أن ينطق

نظر إلى السماء متأملًا، متوكئًا راحة يديها، قالت له: انظر إلى تلك الغيمة المبتسمة، ابتسم وشدّ يده وانطلق مُسرعًا يهرول حولَ جذعِ شجرةٍ تخترق أغصانها ابتسامة الغيمة في عينيه، يصرخ بأعلى صوت؛ وكأنه يُنادي الغيمة ويريد أن يقول لها: لا تُخفي ابتسامتك، فهو يراها سِرًا لسروره، عاد لراحة اليد وضم يده إليها.

جميلٌ ذلك الطفل، وهو يُرسل ما يريد لأمه أو أبيه، ويُعبّر عن أفكاره بإيماءاته، وهما يَفهمانه ويُلبيان حاجته دون أن ينطق، ولطيف منه ابتعاده ليرتع ويلعب ويعود إلى راحة يديهما مرارًا وتكرارًا، كالطير يغدو ليشدو ويعود إلى عُشَّه، وحسبه فقط أن يومئ حين يطلب منهما ما يريد، ويحصل عليه على الفور.

ناهيك عن اهتمام ذلك الطفل بألعابه، وطريقته في ترتيبها، وتتاليها بين يديه، لا شك أن هناك إبداعًا خفيًّا، يُصنفها، بالحجم تارةً، وباللون تارةً، يُفرقها عن بعضها برتمٍ معين ينم عن مقصودٍ لم يُفهم، حتى حين يتركها خلفه لاهتمامٍ آخر، ينظر إليها قليلًا؛ وكأنما هو يودعها.

جميلٌ بابتسامته، ومُذهل في رقته فلا يمكن أن يؤذي أحد أبدًا، بداخله فيضٌ من السلام والوداعة الخلابة لدرجة أنك تحسها وتستشعرها عندما تُحادِثَهُ أو تُداعِبَه، وله رد فعل معك مليء بالمشاعر الإيجابية، وعندما توجه إليه أسئلتك تسمع همسًا لردوده دون أن ينطق.

ما أروع ذلك الطفل، وما أروع من هم في مثل حالته، كبروا وهم يعجزون عن الكلام، وفي المقابل لديهم خيال واسع ونوافذ نظيفة في عقولهم، فقد عرفت هذا من ذلك الطفل، فمازحته وتفاعل معي، صحيح أنه يعجز عن الكلام، ولكنه لا يعجز عن التعبير، وتستطيع أن تفهم ما يريد أن يقول من نظراته وحركات يديه فقط.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button