مع بداية العام الميلادي القادم 2021 يلتئم قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست في قمة دورية، هي الواحدة والأربعون لهذا الكيان الذي استطاع البقاء كتكتل عربي في زمن التشرذم والشتات العربي، وهو التجربة التي نجحت من تجارب عربية مماثلة مُنيت بالفشل.
ومجلس التعاون الخليجي يتميز عن غيره بمميزات منحته البقاء والاستمرار منذ أن تم تأسيسه قبل أربعين سنة تقريبًا، وأهمها روابط الدم والدين واللغة؛ فهذه الروابط الثلاث كفيلة بأن تشكل وشائج قربى؛ إضافة إلى تشابه الظروف السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
ولقد رفع أبناء الخليج سقف تطلعاتهم وآمالهم من هذا الصرح، ونادوا بالاتحاد، وليس ذاك بمستحيل غير أنهم، وإن خفضوا تلك الآمال مذ عصفت بالمجلس الأزمة الحالية إلا أنهم لا زالوا يعقدون الآمال على حكمة القادة، ولذلك فإن أبناء الخليج يتطلعون لهذه القمة القادمة لقادة المجلس، والتي تستضيفها المملكة العربية السعودية بمدينة نيوم على البحر الأحمر، ويأملون أن تنجح الجهود في رأب الصدع، وردم الهوة، وتخطي المعوقات، والنظر إلى المصالح العليا؛ فليس خافيًّا على ذي لب ما يحيط بدول المجلس من تهديدات، وما يتربص بهم من أعداء فإيران الجاثمة على جزر الإمارات الثلاث عقودًا تطمع أن تلتهم دول المجلس، وتسيطر عليها كما سيطرت على العراق ولبنان وسوريا واليمن، وهي تعمل ليل نهار لتحقيق أهدافها الخبيثة؛ ولنتذكر محاولة زعزعة الحكم والانقلاب في البحرين، وخلية العبدلي بالكويت وتفجيرات السعودية وغيرها من حرب معلنة وغير معلنة، وهاهي الصواريخ الإيرانية تنطلق على السعودية حتى إن الأراضي المقدسة قبلة المسلمين ومهبط الوحي لم تسلم من أذاهم، وهذه تركيا لا تخفي أطماعها، وقد تدخلت في سوريا والعراق وليبيا ودولة العدو الصهيوني إسرائل تبدل جلدها وتعمل وسعها لتتسلل لدول الخليج؛ لتزرع ألغامها، وتبث سمها؛ وكأن دول الخليج لقمة سائغة على مائدة اللئام.
ولعل الأزمة الحالية التي عصفت بالمجلس تكون بمثابة لقاح -وتعبير لقاح يتسق مع تداول الكلمة إعلاميًّا هذه الأيام – يستفز كريات الدم البيضاء في جسد المجلس؛ لتمنحه المنعة والقوة لمواجهة المخاطر التي تتهدده، وقد قيل في المثل إن الضربة التي لا تقصم الظهر تقويه. وكل الآمال في حكيم العرب وزعيم الأمتين العربية والإسلامية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أن يقول (لاتثريب عليكم اليوم … – اذهبوا فأنتم الطلقاء)، والمملكة الشقيقة الكبرى لدول المجلس، وثقلها العالمي، والريادي كبير والآمال عليها كبيرة بحجم ذلك؛ فمجلس التعاون الخليجي ولد ليبقى والظروف العالمية والإقليمية لاتحتمل التراخي فيستغله الأعداء.
وللحقيقة فقد تحقق وبفضل الله للمجلس بعض الإنجازات وأولها وأهمها إذكاء روح الولاء والمواطنة لأبناء الخليج الواحد، وبعض المنجزات السياسية (حيث أصبحت دول المجلس تحاور الدول العالمية الاتحاد الأوربي، وأمريكا، والصين، وأفريقيا، وغيرها ككيانٍ واحد)، والاقتصادية، والجمركية، والربط الكهربائي، وهناك مشروع ربط دول المجلس بالسكة الحديدية التى تعثرت والأمل أن ترى النور قريبًا، وغيرها من المنجزات.
ولدول الخليج من الإمكانات والقدرات ما يجعلها تقود العالم العربي كله للمعالي، وأن يكون لهم دور المبادرة والريادة شرط أن يتحد صفهم ويبنوا وحدتهم وقد قال الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا
وإذا افترقن تكسرت أفرادًا
وعليه فإن الٓامال والتطلعات وقبلها الدعوات أن تخرج القمة قرارات بحجم قادتها وشغف أبنائها.