يعتقد البعض أنه الجلوس في المنزل، أو قضاء أوقات النقاهة في السفر، أو في الاستراحات الخاصة هو التطبيق الوحيد والصحيح للمصطلح، ويفسره البعض أنه نهاية الطريق، وهو بذلك يفتح باب الكآبة عليه ويعزز الخمول والكسل لديه، والبعض يقلب ليله نهار، ونهاره ليل ولا يضع أي هدف له، ومشارب الناس مختلفة وآرائهم متنوعة نحو هذا الأمر، ولكن مايعجبني هو التفكير العميق في معنى التقاعد عند شخص آخر يرى أن الحياة ابتسمت له الآن، وجاء دور قطف ثمرة كده وعرقه وشده للحزام سنوات طويلة، ليبدأ بالانطلاق، والتحليق من جديد في مجالات مختلفة من مجالات الحياة، ويطرق أبوابًا لم يستطع في السابق الاقتراب منها، فيذهب في طريق آخر ليأهل نفسه جسديًّا وذهنيًّا لها، ولعمرك هذا النوع من البشر قليلة أحلامهم، كبيرة هممهم ، واسعة مداركهم، ناضجة عقولهم، ثمينة أوقاتهم، صادقة مشاعرهم، يختصرون مسافات طويلة، ويتفوهون حكم جميلة، ويتخذون قرارات سليمة، تراهم يساعدون في النوائب، ويتجنبون المثالب، ويحسبون العواقب، ويتخطون المصاعب، ومن أراد البحث عن آراء وأقوال الشعراء والحكماء عن العمر وتقدمه فهناك ٢٤٧ مقولة جمعت عنه، وأجمل ما أراه فيها قول حكيم: “إن العمر الآن ليس لديه متسع للأشخاص الخطأ”، وهذه المقولة هي أول خطوة تتخذ بعد التقاعد، فكثير من الأشخاص ليس لديهم مايضيفوه لحياتنا من مكاسب، بل يثقلون كاهلنا بسيل من المشاكل والهموم، والخطوة الثانية هي الخروج عن نمط الحياة السابقة الني فرضتها ظروف الوظيفة وعلاقات المجاملة الاجتماعية التي يجب أن تكون في حدود ضيقة لأداء الواجب، والبحث عن نمط حياة جديدة تراعي الصحة أولًا، وتعود بالنفع المادي والمعنوي له، وثالث الخطوات، المراقبة لأدائه وتحوله لكي لا ينزلق في أمور غير محسوبة العواقب، ويدخل نفسه في مشاريع وديون تكون الهلكة له في آخر مشواره، وآخر الخطوات إيجاد الأخ والصديق الصادق الذي يأنس به وكما قال الشاعر:
وصاحب كان لي وكنت له
اشفق من والد على ولد
وكان لي مؤنسًا وكنت له
ليس بنا وحشة إلى أحد
كنا كساق تسعى به قدم
أو كذراع نيطت على عضد
وما أروع من أن يكون الصاحب كريمًا في عطائه سمحًا في أخلاقه، وقد كان لي صديق عزيز إلى الآن قلت في صحبته :
إن الحصيف من سعى بوصاله
خلف الكرام ليحسن الآدابا
وإني لأشكر للإله على المدى
إن ساق لي خير الصحاب صحابا
وأختم بقول شاعر آخر:
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا