المقالات

أدوار محورية للجامعات السعودية لتحقيق “الاستدامة”

بتوجيهات قيادتنا الرشيدة – أيّدها الله – وبدعمها وتشجيعها، تولي “الجامعات السعودية”، أهمية قصوى لجوانب وضع إستراتيجيات للبحث العلمي والإبداع والابتكار، تتسم بالواقعية وتتصف بالفاعلية، بل تضعها في أعلى سُلّم اهتماماتها وضمن أوّل أولوياتها، وذلك بهدف الإسهام الفاعل في تحقيق المُستهدفات الوطنية بصفة عامّة، ولخدمة المجتمعات المحلية على وجه الخصوص، وذلك من خلال اهتمامها بدراسة واقع الجامعات والمدن وطبيعة المناطق التي تقع فيها وإمكاناتها، والتي تقوم بخدمة مجتمعاتها وبيئاتها، ​حيث تُعدُّ خدمة المجتمع إحدى أهم الوظائف الرئيسة لهذه الكيانات الشامخة، والصروح العلمية العملاقة التي تنشر في ربوع بلادي العزيزة، والتي تبلغ نحو 42 جامعة، منها 30 جامعة حكومية، و12 جامعة خاصّة وأهلية، هذا بجانب 7 كليات عسكرية، و13 كلية خاصّة وحكومية وأهلية، مع مراعاة خصائص كل مجتمع وتباين كل منطقة توجد فيها، بجانب حرصها على زيادة الاهتمام بدعم البحث العلمي، وتعزيز فاعلية أثره الاجتماعي والتنموي، مع التركيز على “الاستدامة البيئية” واستدامة الإمكانات الحالية لكل جامعة، ووضع أفكار وخطط جديدة لتطوير العملية التعليمية، ونموها، والارتقاء المستمر بها.
“الاستدامة” (Sustainability)، مفهوم أو مصطلح ظهر أولًا في علم “البيئة”، ليعني مدى بقاء النظم البيولوجية متنوعة, ومختلفة، ومنتجة مع مرور الوقت، ثم تطوّر هذا المفهوم بعد ذلك، وأصبح يشمل نطاقًا واسعًا يضم عدّة مجالات، ومنها مجال “التعليم”، لترمز “الاستدامة” لحسن استغلال الموارد المتاحة والاستفادة منها لدعم الابتكار في “التعليم”. وقد عرّفتها لجنة “بريندتلاند” التابعة للأمم المتحدة، في عام 1987م، بأنها “تعني تلبية حاجات الحاضر دون المساس بقدرات الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها الخاصّة”. ويُقصد بالاستدامة، القدرة على التحمّل والاستمرارية، وهي عملية يمكن أن تتصف بمثال اجتماعي – بيئي معين، وذلك من منطلق أنها ترتبط بالأهداف البيئية لضمان استخدام الموارد بطريقة فعّالة لتقليل النفايات والأضرار، أمّا في جانب “الموارد البشرية”، فيُقصد بالاستدامة، إمكانية الحفاظ على الوجود لمدة طويلة الأمد، والذي له بدوره أبعاد بيئية واقتصادية واجتماعية، وذلك لما وبما للأنشطة البشرية المختلفة – الفردية والجماعية -، من إسهامات واضحة وجليّة في عمليِّات التدهور البيئي والانحسار السريع للتنوع البيولوجي وتغير المناخ، حيث يُعتبر عامل زيادة أعداد سكان دول العالم وتضاعفهم، والتوسع الديموغرافي الكبير، وأشكال الحياة الحديثة والسلوك الفردي وأنماطها، والتي تبرز وتتجلّى في المعدل العالي لاستهلاك الموارد من قبل الفرد الواحد في المناطق الحضرية والبلدان الغنية، والاستهلاك المفرط للموارد الطبيعية، من الأمثلة الحيّة لكيفية مساهمة السلوك البشري في عملية التدهور البيئي، الأمر الذي دعا لتشجيع عمليات استخدام السيارات الصديقة للبيئة والمُستخدمة للطاقة النظيفة والموفرة للوقود، والدراجات الهوائية، والتوسع في تقنيات إعادة تدوير النفايات، وغيرها.
معالي الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ وزير التعليم، ظلّ يؤكِّد وباستمرار على عملية “الاستدامة”، ومنها تأكيد معاليه – خلال لقائه بمنسوبي “جامعة أم القرى” في شهر ربيع الأوّل المنصرم -، على أن “الوزارة” تُخطِّط لتحقيق مبدأ “استدامة التعليم الإلكتروني”، وتطويره وتحسين أدواته، إلى جانب تطوير أنظمته ولوائحه، بما يضمن استمراريته بكفاءة عالية، وذلك لأهمية هذا النوع من التعليم، الذي أبرزته “جائحة كورونا” مؤخرًا، كما أشار معاليه إلى أن هذه “الجامعة”، تتميز أيضًا بوجودها في أقدس بقاع الأرض، ممّا يساعدها في الاستفادة من ذلك لزيادة مواردها، وزيادة فرصها في البرامج الشرعية، كما أكّد معاليه – وفي أكثر من مناسبة-، أن الجامعات تُعتبر مؤسسات حيوية حضارية للنهوض بالنمو والتنمية الاقتصادية، وحثها على العمل على إتقان التنظيم الداخلي لها، ليُسهم – وبشكل كبير -، في رفع كفاءة هذه الجامعات وتحقيق استدامة مالية لها، والتي من شأنها أن تكون رافدًا مهمًا للبناء الداخلي لمقومات العمل والنماء في تلك الجامعات في إطار واضح، ولتحقيق أهدافها، كما حثّ معاليه، الجامعات على الاهتمام باستكمال بنيتها التحتية بكفاءة، وإعادة تنظيم الحوكمة، واستدامة الموارد الذاتية، وإيجاد فرص استثمارية لزيادة إيراداتها، وعقد الشراكات مع مؤسسات المجتمع المدني.
ممّا لا شكّ فيه، أن لـ “التعليم”، أدوارًا محورية ورئيسة في تحقيق التحوّل المطلوب إلى مجتمعات أكثر استدامة من الناحية البيئية، وفي التصدي للتحديات البيئية، حيث تُعتبر العملية التعليمية، الركيزة الأساس والوسيلة الأكثر فعالية في التأثير في السلوك البيئي الفردي والجماعي، كما يُعوّل عليه كثيرًا لكي يُسهم إسهامًا فعّالًا في عملية الحد من النمو السكاني، وتحسين سبل العيش من خلال تعزيز المهارات اللازمة لزيادة مصادر الدخل وتنويعها، وذلك بعد تكييف “التعليم” وتحويره لضمان تأثيره الإيجابي في هذا الجانب، وذلك بالتنسيق مع بعض المبادرات الحكومة ومبادرات المجتمع المدني والقطاع الأهلي والخاص؛ حيث يقوم “التعليم” بصياغة القيم والرؤى والأفكار ووجهات النظر، ويسهم أيضًا في تنمية وتطوير المهارات والمفاهيم والأدوات، التي يمكن أن تستخدم في خفض أو إيقاف الممارسات غير المستدامة، وذلك من منطلق أن أهداف التنمية المستدامة، تُشكِّل رؤى وأفكار وإطار عمل لتحسين حياة شعوب العالم، والتخفيف من بعض المخاطر التي صنعها الأفراد في بيئاتهم ومجتمعاتهم، والتي بدورها تنعكس سلبًا على عملية التغيير المناخي، وتؤثر تأثيرًا كبيرًا فيه.
بعد صدور موافقة المقام السامي الكريم، بتعيين سعادة الأستاذ الدكتور معدي بن محمد القحطاني رئيسًا لجامعة أم القرى في شهر ربيع الأول المنصرم، ونيله ثقة القيادة – أيدها الله -، أولى سعادته ملف تحقيق “الاستدامة” اهتمام كبير وعناية قصوى، ووجه بتحديث آليات عملها وتطوير وارتقاء بها، وتنفيذ جميع برامجها، ولتسير هذه “الجامعة” العريقة، بخطوات حثيثة وجادة ومدروسة، للوصول إلى مفهوم “الاستدامة” بشكل علمي ومنهجي ومؤسسي مدروس ومُخطّط له، الأمر الذي سيؤهلها – بمشيئة الله تعالى – لتحقيق رؤيتها وأهداف خطتها الإستراتيجية: (تمكين 2023)، وخدمة منظومة الحج والعمرة، والمجتمع المكي على وجه الخصوص، والإنسان السعودي والبلاد على وجه العموم، وذلك بما لسعادة الأستاذ الدكتور معدي القحطاني، من رؤى وأفكار، ولما يملكه من تجارب علمية كبيرة، وخبرات عملية واسعة، حيث تقلّد عدة مناصب خلال مسيرته العملية، تضمنت عضوية مجلس الشورى، ورئاسة لجنة الإدارة والموارد البشرية للمجلس، وعمادة عدد من الكليات لعدة جامعات، وعضوية فريق الخطة الإستراتيجية لوزارة التعليم، وبما قدمه من دراسات علمية خلال مشواره الأكاديمي، والتي تمحورت حول التعليم، والتنمية البشرية والإدارية، وغيره، ولتشهد هذه الجامعة الرائدة، قفزات تطويرية أخرى.. ووثبات كبرى إلى الأمام في عهد رئاسته لها.
والله من وراء القصد,,,
——————-
* وكيل معهد البحوث والدراسات الاستشارية للدراسات الاستشارية.
* أستاذ مساعد الهندسة البيئة والمياه بكلية الهندسة والعمارة الإسلامية.
* مستشار مركز إدارة المخاطر والأزمات (سيف)، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button