المقالات

الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري كما أعرفه…

يقول -رعاه الله- في أحد لقاءاته:
(ولقد أخبرني سماحة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله تعالى- بمنزلي في غُبيراء أن أحد علماء المغرب كان كثير الحملة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، فأرسل إليه الشيخ نسخة خطية من كتاب التوحيد، وانتزع غلافها وعنوانها واسم مؤلفها، ومعها خطاب يثني فيه على جهود هذا العالم المغربي، ويطلب منه معرفة مؤلف هذا المخطوط، ورأيه في مادته؛ فأجاب المغربي بأنه لا علم له بالمؤلِّف، وأما مادة المخطوط فهي مذهب الأئمة من علماء المسلمين؛ فأجابه سماحة الشيخ ابن حميد بأن المؤلف محمد بن عبدالوهاب، فأجاب العالم المغربي -رحمه الله-: (إنْ كان هذا هو مذهب ابن عبدالوهاب فهو على حق).
هذا الاقتباس في بداية كتابتي ليس عبثيًّا، أو لمجرد زيادة أسطر ما أدونه عن شيخنا أطال الله عمره، ولكن هذا واقع كثير من خلق الله إذا عرضت له الاسم أعرض لهوى في نفسه، وجهل مركب ينتج ضعف في الإدراك، وقصور في الفهم، فإذا كان منتسبًا لأرباب المنهج العلمي فقد تجدي معه مثل طريقة الشيخ -رحمه الله- مع العالم المغربي بعرض القول والفكر لتجده يقف احترامًا لهذه العقلية الفذة استدلالًا واستنباطًا وتوجيهًا وإشادة، وهذا الذي ألمسه بعد عرض فكر العلامة والمفكر والأديب واللُغوي الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل أطال الله عمره؛ إذ نعاني أحيانًا عند الاستشهاد بعلمه بعد إيراد اسمه سطحية فكر البعض وقصور فهمهم، وهو أحد علماء وطننا الأجلاء، والعالم العربي والإسلامي بوجه عام؛ إذ قال عن الذين كان لهم تأثير في حياته العلمية في مقتبل الطلب للعلم:
(إنما التأثير من شيخي عبدالفتاح أبو غدة، وعبدالله بن حميد، وعبدالعزيز بن باز، وصالح بن غصون في الشباب، ومن قِبَلِ صادق صِدِّيق، ومحمد بن داوود رحمهم الله تعالى في النشأة)
وقبل أن أبدأ بذكر ما أنا بصدد الحديث عنه يحسن بي أن أذكر بعضًا من سيرته الذاتية، على الرغم من أن حياة الشيخ -رعاه الله- ووضوحها في شتى مناحي حياته وحبه لوطنه، وولاة أمره، ومنهجه السلفي، وفكره الاسلامي الأصيل في منطلقاته والاستنتاج، وما أبدع فيه من رؤى لم يُسبق اليهاو تُعْجِزُ من يظن أنه سيضيف بكتابته للشيخ شيئًا كما قيل: (قَطَعَتْ جهِيزةُ قول كل خطيب).
ولعل عذري في ذكر اليسير من سيرة الشيخ أبو عبدالرحمن أن هذا الأسلوب ليس بِدعًا من القول فهو مألوف عبر امتداد التأريخ :(ذكر إحسان عباس في كتابة فن السيرة، أن ابن الهيثم)ت-430هـ( …. كما أّن ابن الهيثم شغل منذ أول أمره باختلاف الفرق، وقد اهتدى بفطرته إلى أّن الحق بين الطوائف والملل والمذاهب إنما هو في طريق الوصول إليه، واقتنع بأن معرفة الحق هي التي تقربه إلى ربه، بعث عزيمته إلى هذه المعرفة التي لا تنال إلاّ بالعلم وبذلك تحدد وسيلته وغايته).
وسيرة الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري تزدان بها كل الصحف وبطون الكتب، ويفوح عبيرها في أرقى المجالس والمنتديات وهو:
(محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل المعروف بأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري؛ عالم موسوعي سلفي ظاهري وأديب سعودي. من مواليد مدينة شقراء في إقليم الوشم بمنطقة نجد من المملكة العربية السعودية عام 1357 هـ. تلقى تعليمه الابتدائي بها، وحصل بعدها على شهادة الثانوية العامة من معهد شقراء العلمي. درس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرج من كلية الشريعة. واصل تعليمه العالي في المعهد العالي للقضاء في مدينة الرياض؛ حيث نال درجة الماجستير في علم التفسير.

يتسمى بالظاهري لانتسابه لـ(المدرسة الظاهرية)
تميز الشيخ أبو عبد الرحمن بضربه بأسهم في شتى العلوم الإسلامية وما يتصل بها من قريب أو بعيد؛ فهو عالم بكتاب الله وتفسيره، وعالم بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بصحيحه وضعيفه، وفقيه مبرز، وأصولي مُتقن، وأديب يأسر بعباراته، ومتقن لعلم الكلام والفلسفة، ونظرة سريعة على عناوين كتبه تبين هذه الحقيقة.
اشتهر الشيخ ابن عقيل باهتمامه بكتب الإمام ابن حزم علي بن حزم الأندلسي تحقيقًا وترجمة لابن حزم نفسه.

عمل في إمارة المنطقة الشرقية بالدمام، ثم في ديوان الموظفين العام (ديوان الخدمة المدنية سابقًا والموارد البشرية حاليًّا)، ثم مديرًا للخدمات في الرئاسة العامة لتعليم البنات، ثم مستشارًا شرعيًّا في وزارة الشئون البلدية والقروية، ثم مديرًا للإدارة القانونية بالوزارة ذاتها، كما عمل رئيسًا للنادي الأدبي في الرياض، ورأس تحرير مجلة التوباد ولا يزال؛ ورأس تحرير مجلة الدرعية التي يملك امتيازها، وهو عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.

تتلمذ على مجموعة من العلماء، من أشهرهم:
1. الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-.
2. الشيخ عبد الله بن حميد.

بعض مؤلفاته:
1. من أحكام الديانة.
2. تخريج بعض المسائل على مذهب الأصحاب.
3. شيء من التباريح.
4. تباريح التباريح.
5. تخريج حديث (لا صلاة للفذ خلف الصف).
6. تحقيق بعض المشكل من حديث (الصيام جُنة) .
7. كيف يموت العشاق.
8. نظرية المعرفة.
9. المرأة وذئاب تخنق ولا تأكل.
10. الإمتاع بنَسْقِ الذخائر عن بَشْقِ المسافر وأي أيام الأسبوع هو الآخِر؟
11. يا ساهر البرق لأبي علاء المعري (تحليل وتفسير) .
12. عبقرية ابن حزم.
13. ابن حزم خلال ألف عام.. وغيرها كثير جدًّا.

فالشيخ في علمه ومنهجه ومؤلفاته وندواته وما كتبه، أو ما كُتِب عنه أشد وضوحًا للناس من الشمس في رابعة النهار.
وما دفعني للكتابة هو أني ابن الجنوب الذي قُدر لي أن ألتحق بجامعة الملك سعود بالرياض كلية التربية قسم الدراسات الاسلامية لعام ١٤٠٤هـ، وكانت تلك السنوات مُشبّعة بالحوارات العلمية بين أساطين العلم ورواده في شتى المجالات.
ومن الذين أفتخر بهم حينئذ أستاذنا الدكتورعلي بن فهيد الدغيمان، على الرغم من أنه كان جادًا شديد التمسك بالدليل إلا أن ما ألفِتُه أذهاننا كان يسبب لنا معاناة في التلقي، وعسرًا في قبول العلم؛ لهذا ذهبتُ بعدها إلى الدراسة ثلاثة أيام في الأسبوع في درس علمي على فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالكريم الزامل -جزاه الله- خيرًا في جامع سارة بقرب منزل سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، وبعد فترة من الزمن طلبت من الشيخ عبدالله أن يكتب لي تزكية إلى سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- بسبب ديون أثقلتني وأورثت هموم أقضت مضجي، وما ذاك إلا بسبب استعجال رزق موعود به من الله، ولو تأنيت وفوضت أمري له سبحانه لكان أولى كما قال الشاعر:
وكلُّ حريصٍ لن يجاوزَ رزقه
وكم من موَّفى رزقهُ وهو وادعُ

فتقدمتُ بها إلى سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله- ورغب ووجه بحصرها وثبتها لدى القضاء، ثم ينظر فيها رحمه الله (وما زال توجيهه بين يدي حتى تاريخ كتابة هذه الأسطر)، وفي ذهني ذلك الوقت أن أذهب للشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل، إذ إني قد التقيته بجامعة الملك سعود، وبادرت بالسلام عليه وتقبيل جبينه رغم أنه لا يعرفني، لكن هذا أدب تربينا عليه وعلم تعلمناه ولهيبته ووقاره، وعدم معرفته بي قدمت رجل وأخرت أخرى، ثم جمعت أمري قاصدًا بعد الله هذا العالم الجليل، زرته في منزله بالسويدي فرحب بي بما لم أرَ مثل ذلك الترحيب في غيره من كرماء عرفتهم في حياتي إلا القليل؛ إذ لقيت أجمل ترحيب منه بما يليق بقدره هو -رعاه الله- بطلاقة الوجه التي تشعرك أنك أمام قامة عظيمة ونفس كريمة ألِفت استقبال النَّاس بالبشر وحسن مشاركتهم بالسمع والفكر والقلب بوجه سمح، وخلق رفيع وابتسامة هادئة كما قال الشاعر:
مِنْ نُورِ وَجهِك تُضْحِي الأرضُ مُشرِقةً ..
ومِنْ بِنَانِكَ يَجري المـــاءُ في العُودِ

أو كما قيل :-
فقد قيل بَيتٌ سالِفٌ متقدم — تداوله زيد وعمرو ومالك
بَشاشَةُ وَجهِ المرءِ خَيرٌ مِن القِرى — فكيفَ بِمَن يأتي بِه وهو ضاحِكُ

اصطحبني بعد ضيافته إلى مكتبته الخاصة في منزله، وأكمل قليلًا من عمله وأبحاثه، وكنت أتمنى أن أخدمه في تقديم كتاب أراده من مكتبته فرفض، وقال كتبي أعرف أنا أين أجدها دون عناء توجيهك لمكانها، وهذا فضلًا منه وسمو أخلاق العلماء.
وطلب مني مشاركته تناول وجبة العشاء فاعتذرت منه بكل ما ألهمني ربي من عبارات الاعتذار، فطلب حضوري للعشاء بعد ندوة في منزله بعدها بعدة ايام، جلست إليه -حفظه الله- فحدثني عن منطقتي، وبالتحديد منطقة عسير بما جعلني أشعر أنه واحد من أبناء المنطقة، وتحدث عن لقاءات كثيرة على أعلى مستوى ثم حديثه عن لقائه بالشيخ عبدالعزيز بن مشيط، وضيافة الشيخ عبدالعزيز له بخميس مشيط.
وكنت أستمع وأستمتع بحديثه رعاه الله، لكن في قلبي شىء من (حتى) سيبويه فهي تتأثر بما يأتي بعدها.
ولأن الشيخ أبو عبدالرحمن سمح النفس كطبيعة غير متكلَّفة هيِّن ليِّن رقيق حاشية النفس ألوف ودود لا فظ ولا غليظ خفف علىّ ذلك ما أجد في نفسي وتجرأت، وقلت لعلك تنظر فيما قدمتُ إليك من أجله قال ألا يهمك إلا هو فحسب قلتُ بل قدركم عندي أهم، لكن الدين بالليل هم وأخشى أن يطالني ذله في النهار.
قال: أعانك الله على حسن القضاء
وقدم لي ما كنت طلبته منه، وأردف قائلًا هذا من أحد الفضلاء آل الشيخ الكرام، وآمل أن لا يذهب إلا كجزء من شراء بيت لك؛ فإن ذلك أولى فجمعت أمري، وازدادت الديون، لكن اشتريت منزلًا بالسويدي، وكان لرأيه وتوجيهه -رعاه الله- فاتحة خير.
ثم كتب لي رعاه الله إلى ولاة الأمر خطابات باسمه، وطلب مني إرسالها عن طريق البريد الممتاز فكان ذلك.

والذي أود أن أخلص إليه أن العلامة الشيخ أبو عبدالرحمن بن عقيل مما يميزه عن غيره خلق الجود، والبذل، والكرم:
كماقال حجبة بن المضَرَّب:
أناسٌ إذا ما الدَّهرُ أظلم وجهُه فأيديهم بيضٌ وأوجهُهم زهرُ

وكما قال يزيد بن الحكم:
رأيْتُ سخيَّ النفسِ يأتيهِ رِزقهُ * هنيئا ولا يُعطى على الحرصِ جاشعُ

وختامًا لم أكن لأطيل الأقتباسات لهذا المقال لولا أني اتخذتها سُلمًا للرقي الي الكتابة عن هذا القامة الشامخة من علماء وطني الذي نفتخر بهم، وندعو لهم، ونجلّهم وبيان جزء من الفضل لهذا الشيخ الجليل، ومنها ما كتبت لكم عن جوده، وكرمه معي، رغم قلة معرفته بي لله در الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري الذي لم يرضه من كل خلق إلا أجله وأسماه.
كما قال أبو بكر بن الأنبارى:

أضحت يمينك من جود مصورة
لا بل يمينك منها صورة الجود

وقد استبشرت في الأسابيع الماضية ببوادر زوال الجائحة، وخفة حدتها بما يؤذن بارتفاع هذا الوباء، واتصلت بأحد الزملاء الفضلاء لزيارة الشيخ بعد ظرف الجائحة التي ألزمتنا جميعا بالتباعد، وهذا قضاء الله وقدره إلا أن الشيخ يرى أن التباعد أولى وكلامه هو الصائب.
ولعلي أعيد الطلب لزيارته -رعاه الله- في القريب العاجل أسأل الله أن يجزيه عما قدم من علم ونفع وغوث ومساعدة خير الجزاء، وأن يطيل في عمره بصحة وعافية على طاعته (وقد عرضتُ ماكتبت بعاليه على فضيلته فأجازه)

————————
الإيميل: abdullahalasmari360@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button