المقالات

مدارات العقل..

بداية تُعتبر مدارات الفكر وفضاءات أنشطة العقل باحة خارجة عن التأطير مستعصية على التوجيه، وبهذا تصبح وجهات النظر أكثر حرية وأعمق بحثًا، وهذا ما يدعونا للإيمان بالتعددية الفكرية أصلًا وتوجهًا.
ما أسلفت ليس سوى تقعيد لما يخلفه، وتوجيه عام لما سأذكره، مع العلم وإلى قريب كنتُ أحسب أننا تجاوزنا هذا، فاحتكار الحق و﴿وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ قد تكفل الواقع في اقتلاعها، ولكن ذات الواقع أبان عمّا لا نعرف وأثار مالا ندرك.
النفوس بحظوظها ومن الطبيعي أن تتمنى أن تكون مسلكًا للحق وطريقًا له، وهذا ما يتمناه الجميع وندعو الله به، وقد نصل وقد لا نصل.
ما دمنا نتحرى الحق دون أن نرفع لافتته، فالحق نصير من يبحث عنه لا من يدعيه، “ومزيد المعرفة يعني مزيد الجهل”، وكل ما زادت المعرفة تزداد الحاجة لها وتدرك كم أنت جاهل والعكس بالعكس قائم فالجهل هو مزيد من جهل الجهل والتغني بالمعرفة، ولا يدرك حجم الجهل إلا تلك المعارف المنسكبة في عقلك وحسك.
يرى فلاسفة اليونان وعلى رأسهم مؤسس الفلسفة الغربية سقراط انعدام الحد للمعرفة، وإثبات قصور العقل أمام تلك المعارف، فما نعجز عن فهمه وإدراكه ليس سوى عجز قائم في عقولنا وتقصير واضح في أفهامنا ومادامت العقول تتفق بالأسماء دون المسميات، وتتفق في الوجود دون القدرة والإمكان فقد ثبت انعدام وحدة النظر ونظر الواحد.
وهذا وحده يكفي لجعل سقوف ما نصل إليه تجاه الفكرة ذاتها قابلة للتعدد، وبالتالي تعدد الحكم، وهذا العهد المعرفي الذي نعيشه جد بطريق أو بآخر في خلق تلك التعددية وانحصرت المسلمات المطلقة في إطارات ضيقة بل وضيقة جدًا كما لم تعش هذا الضيق من قبل، وأزعم أن المستقبل سيكون قاسيًّا جدًّا بشح تلك المسلمات لتبقى معدودة على أصابع اليدين بل على يدٍ واحدة ربما.
“خذها قاعدة”، “شي معروف لا يمكن مناقشته”، “مما لا شك فيه”، “من المسلمات الكونية” والكثير الكثير من تلك العبارات التي تحاول الحد من أفق تلك الجماجم وتحجيم عملها ولوي عنق الحق ليتقارب مع الباطل ويتماهى مع مسيرته، فهل لازالت قادرة على ذلك حقا؟ والحق أنها ورغم ضعفها إلا أنها تعمل.
للأجساد معالم يمكننا تحديد بدايته ونهايته، وقل هذا في كل ملموس ظاهر غير أنه يمتنع قولًا واحدًا في نظرة التحديد تلك إذا ما أردت أن تطلقها في عمق العقول وبحرها.
أي مدى بلغه عقلك حتى جعلت ما تملك مطلق الحق، وأي دليل تملكه يجعلك ترى حد المعرفة في ذلك الأمر أو ذاك هو سقف إدراكك……؟
ختامًا…..لن تجد من يوافقك دائمًا فيما تذهب إليه، فلا تطالب غيرك أن يوافقك، ولكلٍ فهمه وإدراكه….

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button