المقالات

المساجد..أزمة فكر

لم يكن المسجد منذ بواكير نشأته في عهدالرسول ﷺ مجرد مصلى يقتصر على أداء الصلوات الخمس تؤصد أبوابه فور انقضائها كما هو الحال الآن..بل كان جامعة شاملة لمناحي الحياة المتعددة كدور المسجد النبوي في المدينة المنورة على مر العصور، وجامع القيروان وقرطبة وغيرها، والتي عُدَّت منارات علم وهدى فتحت آفاقًا لحضارات وثورات علمية لاحقة.

الأزمة الحقيقية فكرية نابعة من جمود قابع في عقولٍ حصرت دور المسجد في المصلى؛ باعتباره قدسية تتعارض معه أي نشاطات أخرى، ولو كان العائد نفعًا عميمًا لخيري الدنيا والآخرة مما يستوجب التغيير في ذات العقلية لمواكبة حاجات المجتمع، ومسايرة التطور والمتغيرات المعاصرة ليتحول إلى منشأة متكاملة كمركز للحي، وهو شامل لما يتطلع له جيرانه ومرتادوه؛ ولينهض من حالة الموت السريري إلى نشاط وحيوية على مدار الساعة يجتذب الصغار والكبار على حدٍ سواء كمتنفس روحاني ترويحي تُمارس فيه الهوايات، وتنمى فيه المهارات ويقتبس منه نور الهداية والرشد؛ تحفيظًا وتدارسًا للقرآن، والسنة، والآداب، والمعارف المختلفة بما يجب أن يتضمنه من مرافق متعددة: مكتبة وصالات للقاءات والاجتماعات والمناسبات الموسمية والعارضة، ومركزًا للتدريب والإلقاء والخطابة والممارسات الأدبية والعلمية والدينية المختلفة؛ بحيث يكون المصلى جزءًا من تلك المنظومة وليس مستحوذًا عليها، وبما يضمن حلًا للعديد من التبعات والتي منها:

– قلة أعداد مرتادي المساجد مع اتساع مساحته.
– ضعف مخرجات حلقات تحفيظ القرآن؛ نظرًا لعدم إيلائها اهتمامًا كبيرًا سواء من حيث الكفاءات أو المتابعة أو حتى الوعي بأهميتها في تغذية المنابر بالأئمة، وتغطية العجز، والسعي لإيجاد فائض احتياطي يشكل مركز قوة داعمة للنشاطات الأخرى المرتبطة بالقيم والمؤسسات الدينية، وهذا أفرز أزمةً حقيقية في شغل وظائف الإمامة للمساجد من السعوديين.
– أضحت المساجد بمثابة مبانٍ صامتة – بحالها الراهن- تشغل حيزًا كان بالإمكان الاستفادة منه في جوانب أخرى؛ نظرًا لتقارب المساجد وبعضها وزيادة أعدادها بصورة تفوق الحاجة؛ استنادًا لفكر جامد بأنها المجال الخيري الأوحد لنيل الثواب، واستدامته لما بعد الموت، وحصر أعمال الخير في بناء المساجد لا عِمارها وإعمالها لخدمة المجتمع.
– توسيع نشاط المسجد إلى كونه مركزًا حيويًّا فاعلًا يتعاطى مع حاجات ومتطلبات الحي؛ وليضفي مزيدًا من النفع والفائدة لخيري الدنيا والآخرة.
– مواكبة التقدم ومسايرة التطور المجتمعي؛ ليتماشى مع الثورة المعرفية بتلبية ما يعوز الأجيال من تنمية مهنية مهارية تتأكد بالتدريب والممارسة ليسهم بإيجابية في التنمية المستدامة والتي قوامها الفرد المؤهل المعطاء، وليكون مركز جذب وموثوقية تعيد للأذهان دوره الريادي الثقافي والتربوي والعلمي.
– أن تتولى جهة مختصة التأكد من شمولية عناصره لجميع المتطلبات قبل التنفيذ مع مراعاة التوزيع العادل والشامل لجميع الأحياء، والحد من التقارب المشتت لسكان الحي مع ضرورة توفر مساحة كافية تكتنف كل المرافق والمواقف والمساحات المطلوبة؛ بدءًا باشتراطات التخطيط البلدي للأحياء، وانتهاء بصدور رخص البناء.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح للدين والدنيا معًا، والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button