د. عبدالله العساف

المرجفون في الإعلام

قال صاحبي: هل عاد المرجفون الجدد لممارسة مهامهم في صناعة التضليل الإعلامي، بإطلالتهم اليومية عبر الشاشات، أو من خلال صحفهم بشكلٍ مكثفٍ بالحديث عن مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية في عهد “بايدن”، ولم يلجم هذه الأصوات تصريحات وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” عن إرهاب الحوثي، واحتلاله صنعاء، وإدانة واشنطن اعتداءات الحوثي على الحلفاء!، ولكنها طارت فرحًا بقرار الإدارة الأمريكية تجميد صفقات السلاح للسعودية والإمارات مؤقتًا، لماذا تُستهدف السعودية؟ من يقف خلف هذا المشروع، ولماذا الآن؟ أين صوتنا الخارجي.

فكرة هذا المقال فرضت نفسها من خلال متابعتي للأخبار، وتطورات الأحداث مع مرور الأسابيع الأولى لـ”بايدن”، وترقب المرجفون في الإعلام ما يصدر عن هذه الإدارة من تصريحات تخص السعودية دون سواها!، ثم لطلب وسيلتين إعلاميتين دوليتين ناطقتين بالعربية الحديث معي بشأن القرارات الأمريكية، وهل سوف تنفذ؟، ومدى تأثيرها على العلاقات السعودية الأمريكية؟ وهل تجميد صفقات السلاح ستنهي الحرب في اليمن؟

القرار الأمريكي يجب أن ننظر له من زوايا متعددة، فهو روتيني، ففي كل مرحلة انتقال سياسي تتم مراجعة بعض الملفات المهمة، وهو استعراض للعضلات، أمام الأتباع وخصوصًا أنه من القرارات التي يسهر الإعلام جراها ويختصم، ويجد فيها مادة شيّقة، فالأهمية إحدى القيم الخبرية، والأهمية هنا تعني وجود أمر ما يخص الشأن السعودي! ومن خطأ أية إدارة سياسية أو تجارية أو طبية، أو عسكرية، أو غيرها الالتفاف على قرارات الإدارة السابقة، والقفز عليها لمجرد عدم التوافق والخصومة، أو الانتقام.

“ترامب” كان رجل أعمال ذكي، ويحسب الأمور من هذا المنطلق، لذا لم يستخدم اللغة الدبلوماسية، بل استخدم اللغة الواقعية، وقال للكونجرس بالحرف الواحد: “أسواق السلاح مفتوحة أمام السعودية، والجميع يرحب بها” فسوق السلاح ليس حكرًا على أمريكا، والمنفعة متبادلة بين البائع والمشتري، وبالتأكيد لا أحد يشتري السلاح للنزهة.

التضليل الإعلامي صناعة احترفتها بعض وسائل الإعلام، وتفوقت على وصفة “أدولف هتلر” الإعلامية بأن لا تعتمد على التضليل وقلب الوقائع، بل لابد من مزجها ببعض الحقائق اليسيرة، وهذا ما برع به المرجفون في الإعلام وتفوقوا على دعاية الإعلام النازي! واستخدموا ببراعة التأطير الإعلامي، وإبراز جانب وأحد يتفق مع أجندتهم، ولم يعطوا للمتلقي فرصة التفكير في حديث وزير الخارجية الأمريكي الإيجابي عن السعودية، ودورها الرائد في عاصفة الحزم.
اجتزاء النصوص بهدف التدليس وطمس الحقائق، وإخراجها عن سياقها العام، وتوجيهها لخدمة مسارات محددة سلفًا، ليست وليدة اليوم، فهي سياسة شيطانية منذ الأزل، وممارسة فرعونية قديمة، ذكرها القرآن الكريم في قصة نبيه موسى مع فرعون، وموقف فرعون مع قومه وممارسته التعتيم وفرض التبعية الإعلامية على قومه، ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أرى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾(غافر: 29).
فالاستبداد الإعلامي في أبسط صوره هو ما تمارسه بعض وسائل الإعلام اليوم من حالات إيهام اتباعها احتكارها للمعرفة وامتلاكها الحقيقة، والادعاء بكمالها ومصداقيتها، والتعامل مع جمهورها على أساس أنهم قاصرون لا يتوصلون للمعرفة إلا من خلالها، في زمن أصبحت فيه وسائل الإعلام آخر من يعلم.

وأخيرًا:
هل سوف تنفذ الإدارة الأمريكية تجميد صفقة الأسلحة للسعودية؟ لن تنفذ وسيتم السماح بها في نهاية المطاف، ولن تبذل السعودية أي مجهود لإتمام هذه الصفقة، فنتيجتها محسومة لصالحها سلفًا.
مدى تأثيرها على العلاقات السعودية الأمريكية؟ تحدث مؤخرًا وزيرا الخارجية في السعودية وأمريكا عن علاقة التحالف التاريخية بين بلديهما، وهذا يكفي.
وهل تجميد صفقات السلاح ستنهي الحرب في اليمن؟ السعودية تُطالب وتدعم الحل السياسي في اليمن وفق المرجعيات الثلاث، كما تدعم جهود المبعوث الأممي بهذا الشأن، وقد أوقف التحالف عملية إطلاق النار استجابة لطلب الأمم المتحدة لتوحد الجهود لمحاربة “كورونا”، ولم يلتزم الحوثي لا بعهد ولا بهدنة ولا بمراعاة جائحة عالمية، والحل في اليمن تجميد تهريب السلاح والخبراء التابعين للمليشيات إيران الإرهابية، وعدم غض النظر والتساهل في تطبيق منطوق القرار الأممي 2216.

قلت لصاحبي:
“تعلمت باكرًا أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج؛ حتى يحصل على ما يريد”.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button