المقالات

قابلية الإيحاء

يقال: -وتمعن “يقال” – إن سقراط حين علا صيته لدى الملك، ولقبه بالطبيب الأول دبّ حسد الأقران كعادته، وعلتْ تنافسية اللقب الثانوي لتصبح هي القضية، فقال طبيب آخر في ذلك البلاط كيف لهذا -أي سقراط- أن يلقب بالطبيب الأول؟!، فتحاكم الحكماء، وخروجًا من هذا النزاع طرح ذلك الطبيب أن يسقي كل منهما خصمه السم والأقدر على إحياء نفسه أحق بالبقاء وبالتالي الأحق “بالطبيب الأول”.

تم الاتفاق على ذلك وضُرب موعد لهذا القتل، واتفق الأطباء والملك، وبدأ تجهيز السموم، وكان سقراط وزميل مهنته في حجرات متلاصقة، فاستدعى سقراط 3 معاونين فجعلوا يصبون الماء، ويعلون صوت دلقه في ذلك المدق، وأحدهم يدق ليصنع سمًا يليق بخصمه، وجاره يسمع كل ذلك العمل، ويعيش معهم كل تلك اللحظات لأربعين يومًا على هذا الحال، فلما انتهت المهلة، واجتمع الخصمان سقى ذلك الطبيب سقراط، وأثر فيه وتغير لونه، وما لبث حتى استطاع أن يداوي نفسه، ويبري علته، ثم سقى سقراط زميله وما لبث أن سقط، فقال سقراط: هذا ليس سوى ماء نقي سأشربه وتشربونه كذلك، وما به من بأس، ولكن أسقطه أربعون يومًا يسمع صوت الدق، ودلق الماء.

قل قريبًا من هذا فيما توحيه بعض الأمراض، وما يبنيه العقل في بعض المواقف مع الآخرين، وما تهرقه بعض أفكارنا نحن في دواخلنا.
إذ كيف يستطيع أحدهم ببعض الإيحاء أن يملك أمرك؟ ويأخذ سبيلًا للعبث بك وإهلاك مقدراتك؟ وكيف يصنع بك العكس؟
أليست تلك الكلمات الإيجابية تفرض تأثيرها على مريض سمع:
(أنت اليوم أحسن من الأمس، وصحتك جيدة، وأعتقد أنك لن تلبث طويلًا على هذا السرير)
الكلمة توحي، والحدث يوحي، وكل ما حولك قادر على الإيحاء، وأنت أعظم تلك الإيحاءات التي هي قادرة على أن تصنع غدك وتعبث بمستقبلك “إن أردت”.
الإيحاء قناعة بممارسة ما يملى، بصرف النظر عن تأثيره وخطواته فالموحىَ إليه يدرك ردة الفعل دون إدراك المحرك والعاقبة، ومع ذلك يصنع ما يوحى بدقة وربما بحب كذلك.

أخيراً …. هل تملك قابلة إيحاء عالية، وهل تملك فلترة تلك الإيحاءات؟ وهل أنت قادر على صد تلك الهجمات فعلًا في حال كان الهجوم مؤهلًا لخلخلة بنيانك وتقليم عيدانك…؟

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button