د. عبدالله علي النهدي

وظيفة شاغرة..

في إحدى الغابات أعُلِن عن وظيفة شاغرة لمنصب أرنب، لم يتقدم أحدٌ غير دب عاطل عن العمل. وتم قبوله ومن ثم صدر أمر تعيينه. وبعد فترة وجيزة اكتشف الدب أن في الغابة يوجد أرنب معيّن بدرجة وظيفية هي دب، ويحصل على راتب ومخصصات وعلاوة دب. أما هو فكل ما يحصل عليه مخصصات أرنب فقط!! تقدم الدب بشكوى إلى مدير الإدارة وتشكلت لجنة من النمور للنظر في الشكوى، وتمّ استدعاء الدب والأرنب للنظر في القضية. فطلبت اللجنة من الأرنب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية، وكل الوثائق أكدت أن الأرنب دب. ثمّ طلبت اللجنة من الدب أن يقدم أوراقه ووثائقه الثبوتية فكانت كل الوثائق تؤكد أنّ الدب أرنب.!! فجاء قرار اللجنة بعدم إحداث أي تغيير لأن الأرنب دب، والدب أرنب بكل الإثباتات والدلائل. لم يستأنف الدب قرار اللجنة بل لم يعترض عليه ولو مجرد اعتراض بسيط! وعندما سُئل عن سبب موافقته على القرار وعدم اعتراضه؛ قال: كيف أعترض على قرار لجنة (النمور)، التي تشكلت من مجموعة من (الحمير)، وكل أوراقهم تقول إنهم نمور؟!!

يروى أن هذه القصة من الأدب التشيكي ورغم ما فيها من الغرابة والطرافة إلا أنها تمثل حال كثير من الموظفين؛ حيث إن البعض ربما يتعب كثيرًا في البحث عن وظيفة مناسبة لتخصصه ومؤهله العلمي إلا أنه مع كثرة البحث والتعب يصل إلى مرحلة الإجهاد واليأس؛ مما يضطره إلى قبول أية وظيفة تعرض أمامه حتى وإن كانت غير مناسبة لتخصصه وحتى وإن كانت بمرتبه أدنى من المرتبة التي يستحقها، وبمميزات أقل مما يعطيه مؤهله الحالي، بل في كثير من المرات ربما تكون هناك بدلات مغرية للوظيفة التي يشغلها حاليًّا، ورغم أنه يؤدي مهامها لكن تلك المزايا لا تصرف له بحكم أن مؤهله وتخصصه العلمي مختلف حتى وإن اجتهد، وأدى مهام هذه الوظيفة بالشكل المطلوب، وبعد مرور فترة من الزمن يكتشف أن هناك موظفين يحملون مؤهلات غير مؤهلة، ولكنهم معينون على نفس مسمى الوظيفة الخاصة بمؤهله الحقيقي التي أضناه التعب في البحث عنها، والشيء الملفت أنهم يتقاضون مزايا تفوق مزايا الوظيفة التي اضطر إلى قبول التعيين عليها. وعندما يطالب بتحسين وضعه وإعادة تسكينه على الوظيفة المناسبة لتخصصه ومؤهله، تضيع مطالباته بين وعود مدير واجتماعات إدارية وتسويف اللجان؛ التي يتم تشكيلها لحل مشكلته والمشكلات المشابهة لها؛ والغريب أن هذه اللجان لا ناقة لها ولا جمل في أعمال ولوائح الموارد البشرية فلا مؤهلات أعضاء هذه اللجنة ولا حتى خبراتهم ذات صلة بالمشكلة محل الدراسة؛ فتأتي نتائج اجتماعات تلك اللجان بما لم يأتِ به الأوائل، أو كما قيل: (مَن تكلم في غير فنّه أتى بالعجائب).
هناك الكثير من النماذج المماثلة لأعضاء لجنة النمور التي تولت مناقشة مشكلة الدب التشيكي؛ وسواء كانت هذه النماذج على شكل لجنة أو جاءت بصورة فردية، فالقاسم المشترك بينها جميعًا يبقى محور واحد ألا وهو التكليف لأشخاص أو شخص غير مؤهل وغير متمكن لتقرير ما يجب أن يكون وما لا يجب في موضوع غير اختصاصه، ومن ثم يتولى البت في مشكلة، ويتحكم في مصير، ومستقبل صاحبها، ومن تلك الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر:
– أستاذ جامعي يحتكر تدريس مادة لسنوات طويلة، ويتحكم في مصير الطلاب، وتأخير تخرجهم بسبب تعسفه، وسوء تدريسه للطلاب وارتفاع نسبة الرسوب في مادته في كل فصل دراسي، وكل ذلك يتم تحت مظلة حصانة الأستاذ الجامعي التي تعطي مثل هؤلاء الفاشلين مساحة كبيرة لتفريغ عقدهم على الطلاب، وإن اشتكى الطالب أو تظلم ربما يتم تشكيل لجنة من النمور تبت في شكواه، ويكون مصيره مصير الدب التشيكي.
– موظف بسيط يتم تكليفه بتقييم جامعات دولية عريقة تاريخ تأسيس بعضها يفوق عمر أبيه وجده، ليقرر سعادته بعد ذلك أن تلك الجامعات تصلح أو لا تصلح لابتعاث منسوبي المؤسسة للدراسة بها.
– شخص يحمل مؤهل ماجستير أو ربما أدنى من ذلك يعمل في مؤسسة أكاديمية يتم تكليفه بإعداد أو مراجعة، وتعديل الخطة الدراسية لمبتعثي برنامج الدكتوراة، والأدهى والأمر عندما يفتي في خطة برنامج للدكتوراة في تخصص غير تخصصه، بل ربما يكون تخصصه نظريًا والآخر تقنيًا.
– موظف يتذمر من العمل بسبب تصرفات وتعنت مديره معه، فيتم تشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع ويكون مديره رئيسًا لتلك اللجنة أو عضوًا فيها، بمعنى أن المدير يصبح هو الخصم والنمر أقصد (الخصم والحكم).
– لجنة من الموظفين يتم تشكيلها لدراسة وضع إداري أو مالي أو قانوني أو حتى معنوي يخص عددًا من موظفي المؤسسة، والعجب إذا كان أعضاء اللجنة يرون أو يعتقدون بأن حل تلك المشكلة يهدد مصالحهم ووضعهم في تلك المؤسسة؛ فكيف سيكون القرار؟ هنا لا تدري من هم النمور؟! هل هم أعضاء اللجنة؟ أم أصحاب المشكلة المغلوب على أمرهم؟ أم هو من قرر تشكيل تلك اللجنة؟!!
– البرامج الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي هي الأخرى أتاحت المجال لمن لا يستطيع قراءة الفاتحة بصورة صحيحة بأن يتحدث في أمور الشريعة والفتوى، وسمحت للممثل وحتى المهرج أن يتحدث عن هموم الأسرة، وعلاج مشكلات الطلاق في المجتمع، كما أفردت مساحة كبيرة للتاجر الجشع أن يتحدث عن هموم الفقراء.

خير ختام:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : “سيَأتي علَى النَّاسِ سنواتٌ خدَّاعاتُ يصدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصَّادِقُ ويُؤتَمنُ فيها الخائنُ ويُخوَّنُ فيها الأمينُ وينطِقُ فيها الرُّوَيْبضةُ قيلَ وما الرُّوَيْبضةُ قالَ الرَّجلُ التَّافِهُ في أمرِ العامَّةِ”.

——-
عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button