لم أكن أعتقد أن جمالك الفاتن كذبة، ولم أكن أتوقع أنك هكذا قاسية، وأنك حقيقة في غاية البؤس، وأنك كواقع في منتهى التعاسة. ولم أكن أظن أن أحوالك تتبدل وعلى عجل من حالٍ إلى حال في أيامٍ معدودة إن لم تكن ساعاتٍ محددة، ولم أكن أتصور أن حقارتك تجاوزت كل حدود الوصف. فلا تُبقي على عهد، ولا تحافظي على وعد. علم الزاهد حجمك الحقير فرغب عنك كثيرا، وحذر الحكيم من متاعبك فتجاهلك دائماً، وعرف العاقل آلامك فابتعد عن مجمل مفاتنك. ولكن كيف غاب عني كل ذلك؟ وكيف لي لم أستعد من ذاكرتي كل أحداثك الغابرة عبر الزمن؟ وكيف لم أتفكر في ماضيك السحيق؟ ولم أتدبر في مجمل تقلباتك المؤلمة؟ ولم أتأمل صور أحزانك المرهقة؟ أنتِ الغرور في أقصى درجاته، وأنتِ أساس الخداع في أبشع صفاته. لله وحده أمرك في كل شأن وفي كل حين. في محيطك افترق المحب عن أقرب محبيه بلا وفاء في أعماقه.. فلم يقدَّر أنهما سبب الوجود كله، ولم يدرك معنى الإحسان والمعروف فيهما.. فهوى في قبيح أعماله. وفي أرجائك رحل الرفيق عن باقي رِفاقه بلا عهد في ضميره فتناسى المواقف الخالدة، والأحداث الشامخة فسقط في أوحال خزيه، وهجر العاشق بعد ليال مثيرات معشوقته بلا رحمة في صدره وكأن قلبه لم يذق طعم الهوى، ولا الشوق، ولا حتى الغرام، فضمته بلهفة في حجرها لئيمة أحضانها موحشة.
والعجيب أن محبيها في تزايد ملحوظ ومستمر لاينقطع أبدا فلا عظة جامعة نافعة من عالم جليل تفيدهم، ولا عبرة تفاصيلها مؤثرة من شيخ وقور تمنعهم، ولا حتى تصريح أو تلميح من حكيم متأمل في الحياة يحول بينهم وبينها. تخور قواهم أمام جمالها الزائف، وتضعف إرادتهم أمام مغرياتها الفاتنة. يعتقدون أنها الحسناء فعلاً وماعرفوا الحقيقة الراسخة عنها، يظنون أنها بهجة للنظر المتطلع، وأنها مأوى للقلب المتشوق. ومازال للأسف على ثراك ذلك الشاب الطامح يخطب ودك لزعامة حالمة، ولمكانة غير ملائمة له، ومحسوبة عليه، فلا يملك الماضي المشرف التليد، ولن يدرك المجد المشرق العتيد، وهو غارق في أحلامه السخيفة، وأمانيه التافهة. وتشابهه في الحال تلك الشابة المفتونة بالظهور في أعلى الآفاق صدَّقت أعذب كلمات الغزل من شاعر هائم في كل الأودية القريبة والبعيدة على حدٍ سواء فأعذب الشعر كما قيل أكذبه، وخدعتها جمل الثناء من فصيح بضاعته حلاوة اللسان، وجمال البيان، وحسن براعة التمثيل فكما عهدنا منذ أمد أن الغواني يغرهن الثناء. وتُظهر الفاتنة لهم رداءة مضمونها وسوء وجهها ولكن بعد مشوار طويل حافل حل فيه السراب بدلاً من الحقيقة، وحل الظلام بدلاً من النور.. فكانت المأساة المؤلمة ولكن بعد فوات الأوان ولا عزاء للمتوهمين. أما أنتِ أيتها الفاتنة وعلى الرغم من تعدد الأشكال والأسماء فيك فما زالت أحداثك المؤسفة تسير على نمط واحد في مسرح الحياة من التشويق والإثارة في البدء، والوهم والحيرة في المنتصف، والألم والحسرة في النهاية فهل من متعظ منكِ أيتها الفاتنة؟
الدنيا ماهي الا لعب ولهو والسعيد من اتعظ
الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ
ماشاء الله تبارك الرحمن يا أستاذ عبدالرحمن؛ مقالة موزونة ومدروسة ذو وزن وقافية، و خير ما قيل من مقاله فيه هجاءٌ وتشبيه وتخيل، و وصف، وإدراك وحس، وبيان وتعجب، وتوزيع، وتنويع من قبلك فاقبلتها بقلبي❤️، وأقولها وأرددها كما قلت … لم أكن أعتقد أن جمالك …