المقالات

رفقًا بالأجيال!!

لا شك أن للوضع العام والظروف المحيطة تأثير مباشر على الجيل؛ ترفًا أو شظفًا ، وبما أن لكل مرحلة أناسها الذين يسايرون ركبها، ويتأقلمون مع متغيراتها؛ ذوبانًا في خضمها -طوعًا أو كرهًا- فإن جيلنا الحالي ليس عن ذلك التحول ببعيد، ذلك لأن العولمة ألقت بأطنابها على مجتمعاتنا لتفرض نفسها كثقافة مناهضة أو منافسة تخترق ستار الأسر فضلًا عن الشارع والكيان العام.

بيد أن الثورة العلمية والتقدم التكنولوجي والتقني لم تكن خدمة مجانية غير مدفوعة الثمن فقد جاءت كصاعقة مزلزلة بفعل إملاءاتها التي طالت كل فرد -شاء أم أبى- فلم يعد التحكم ذاتيًا بقدر ماهو موجه ومكدر، هذه الهيمنة لم تسلم منها الأرجاء فضلًا عن الأنجال بفعل اللوثات المسمومة والارهاصات المزعجة التي شكلت ضخبًا مقلقًا وزحامًا خانقًا ومجالًا ضيقًا في الحركة والرزق مما انعكس على النفوس قبل الأجسام؛ إربكاكًا متذبذبًا بين محاولة اللحاق وتحاشي المحاق في زمن تسارع فيه الوقت مع تكالب المهمات والمدلهمات، في ضوء التباين في التوجهات والموجهات، التأثير والمؤثرات بفعل تعدد المصادر وتنوع المذاهب؛ تجاذبًا أو تصادمًا عبر الإعلام الجديد الذي لم يعد يعترف بالحدود المجتمعية أو الجغرافية نقلًا من محدودية الفكر وتحجيم الأُطر إلى حرية الرأي وتقبل الآخر.. هذه العوامل مجتمعة أخرجت الفرد – صغيرًا أو كبيرًا – من بوتقة التحكم الأبوي فضلًا عن العائلي أو المجتمعي لتشكل منه استقلالية مبكرة ذات قولبة (مهدرجة) يتصارع فيها الواقع مع الافتراضي، العقلاني مع الخيال، الجمال مع المشوّه، الخير بالشر مما جعل الجيل مرهف الحس، متعب الوجدان، متقلب المزاج تُحْدِث فيه كلمةٌ عابرةٌ تأثيرًا كبيرًا، في مقابل أن يرى في التوجيهات والنصائح المباشرة ثقلًا مؤرقًا؛ فضلًا عن الإسقاطات أو الأوامر الصارمة من أقرب الناس إليه!!.

هذا الزخم الذي أو جد شحنًا -ربما يفوق الطاقة- لم يكن إراديًا بل حقنًا فكريًا له تأثير مباشر على السلوك والتصرفات الذي يجعله في موضع تحدٍ مع إرادته بين الثبات والانجراف، ذلك ما تنبأ به الرسول -ﷺ- استشرافًا لحالنا اليوم بقوله: (يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار).

في إشارة إلى أن المعترك مجهد وقاسٍ على النفس، وبما يجعل المكافأة تتصاعد تبعًا لشدته لأضعاف مضاعفة فالأجر على قدر المشقة (إن للمتمسك أجر خمسين من الصحابة رضوان الله عليهم).
أي أنه في خضم هذا الضغط الشديد والتسليط المكيد بين الملهيات والصوارف والتناقضات والتي سخر لها إمكانات مدروسة وجنود مجندة للإغراء والخطف بعيدًا عن الدين والقيم انتزاعًا من الهوية وتذويبًا في معمعة التيه والفساد؛ إحلالًا أو انحلالًا في مقابل المحاولات المستميتة من الصمود والصد والدفع من مجتمعنا الذي مازال يستعصم بروابط الدين والقيم، ذلك الإرث المكين الذي يتطلب بقاؤه حيًا في ذوات الأجيال تكريس العمل ببناء سد منيع من القيم والمثل العليا؛ لتكون بمثابة هوية يعتز بها أفرادها تحمي الأجيال من الهجمات والاستهدافات التي هي سموم في هيئة نسمات باردة لكنها فتاكة.

لهذا يجب أن نعامل الجيل بما يساير ثقافته المرحلية، ووفقًا لما يتناسب أو يتماشى مع أسلوبه وطريقة تعايشه بعيدًا عن فرض الوصاية أو السلطوية التي لا تزيده إلا نفورًا وتعنتًا ، فللكلمة الطيبة والمديح والثناء الحسن والتعامل الجيد وقع جميل وأثر فاعل يحيي بذرة الخير المزروعة أصلًا في داخله مما يزيد عطاءه، ويقوي منعته وانتماءه واعتزازه، ويدخل السرور لقلبه فيضيء ويتقد بدلًا من أن ينطفئ أو ينحرف!!

أجيالنا ثمرة تعاملنا فلنتعاطى معهم بالحكمة والقول الحسن، ولنبرهم صغارًا ليبرونا كبارًا.

همسة:

للشخصية جوانب متعددة يجب تنميتها بالتوازي..يخطئ من يركز على الجانب العقلي الذي يغذى بالحقن التحصيلي المعرفي، بينما تهمل الأخرى كالاجتماعي، والمهاري، والوجداني، والنفسي، والتي هي أساس نجاح الفرد في عمله وتعامله.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button