قلبٌ يفوق تفاصيل الحب في الوصف، قلبٌ يتجاوز إطار العشق في نقش أجمل الصور، قلبٌ اتسعت حدوده حتى أُنهِكت شرايينه، وأُرهِقت أوردته دون أن يُبدي تضجره من أي سقم، ودون أن يشكو من أي ألم. حتى كان الفراش الأبيض في آخر لحظات عمره صديقه المعتاد، حتى تصاحبت أصوات الرنين الصاخبة مع مسامعه الرقيقة، حتى كان مُر الدواء اللازم طعامه الدائم. وقبل هذا وذاك كان الحمد والشكر لا يفارق لسانه، والابتسامة الصادقة لاتغادر مُحياه الطاهر. وكانت دعوات الزوار له بالشفاءلا تنقطع أبداً. قلبٌ امتلأت أقصى أعماقه بالود، والمحبة، والحنان ففاضت كل تلك المشاعر إلى أركانه فأشرقت ملامح وجهه الصادق نوراً، وجمالاً، وبهاءً، وصفاءً. رأى الجود يوماً في منامه فسارع في خُطاه؛ ليكون في حياته واقعاً مشاهداً كلما استطاع، وفوق كل مالا يصدق ويحتمل بلا أي أذى يُذكر، وبلا أي منة تُعرف، ولا أي ذل يُلاحظ حتى ولو كان همساً، حتى لو كان بلا قصد لذلك دعني وبفخر وشرف أسميك أيها الراحل الباهي “رافد الجود” وأسميك أيضاً “رافد الطيب” ، وأزيد وأفيض؛ لأسميك”رافد الإنسان”.. الإنسان في مجمل المعاني الإنسانية الخالدة. وأي إنسان أنت.. وأي محب أنت يسعد برؤية المكان الذي يضمه ليل نهار وقد اكتظ بمحبيه، وقد امتد ذلك المكان البسيط لروحه الطيبة، ووسع لمحبي محبيه من هنا وهناك حتى تعدى إلى خارج الحدود، بل واستوعب في خير الأيام غرباء ضعفاء طمع بصدق وإحسان في إكرامهم؛ لنيل الثواب من باعثهم.
لايزال الناس أيها الرافد الجميل، والراقد المطمئن يذكرونك بخير، ومع هذه الذكرى الغالية قليلٌ من البسمات الصافية، كثيرٌ من الحسرات على رحيلك المفجع، ووداعك الحزين لهم على الرغم من مضي العديد من السنوات لسكناك الآمنة تحت خير ثرى. فالناس من محيط جدار بيتك الشامخ، حتى يتجاوزن محيط مدينتك المقدسة يتناقلون الحديث عن سمو أخلاقك تارة، وعن جودك تارة أخرى، حتى يصلون إلى مواقفك الإنسانية النادرة التي لا تُنسى ولن تُمحى من ذاكرتهم. فقد وقفت مع كبارهم بكل وفاء وإخلاص؛ حتى حصل على مبتغاه ليس لحاجة أن تملكها فهذا شيء مفروغ منه فقد اعتاد من يقصدك في دارك على جودك بل وتساوي في ذلك المحتاج وغير المحتاج على حد سواء..!! ولكن لحاجة في أيدي الآخرين مضيت لها ووقفت على أبواب أصحابها وكأنك تقضي حاجتك أنت لا حاجتهم..وأنت المتعفف في نفسك أصلا..! وعطفت على الصغار بكل شفقة ومحبة؛ بتلبية رغباتهم دون أن يطلبون منك بل أنت المبادر بحب وعشق وكل هذا؛ لتدخل الفرح والسرور على مكامن قلوبهم. لله درك فقد ملكت قلوب كل الأحباب، لله درك فقد أسعدت كل من عرفك ومن لم يعرفك، لله درك فقد أدميت القلوب المحبة برحيلك المُحتَّم على كل الورى. رحيلك الذي كان ومازال يُتعبنا، ولكن عزاؤنا الوحيد أننا سنلتقي بك غداً ” في مقعد صدق عند مليك مقتدر” وبجوار سيد البشر.
نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويسكنه الفردوس …
زرع الطيب بين الناس والآن يحصد مازرع دعوات لاتنقطع من الناس له بعد مماته وهو احوج مايكون إليها الآن فهنيئاله عرف الطريق الصحيح فسلكه ووفقه الله الى فعل الخير فمازال يدعوله كل من يعرفه وايضا الذين فقط سمعوا او قرأوا سيرته كما في هذا المقال