عُرفت الوزارات منذ فجر التاريخ بأنها تلك المؤسسات التي تقوم على خدمة المواطنين، ورعاية مصالحهم، والسهر على حقوقهم، والعمل على توفير حياة كريمة لهم، وذلك انطلاقًا من الأسس التي تقوم عليها التشريعات والقوانين التنفيذية التي يصدرها الحاكم في معظم دول العالم.
ومن البديهي أن يكون لهذه الوزارات والقطاعات وزراء ومدراء يصدرون أوامرهم، ويخططون لمستقبل واعد لوطنهم، وتوفير حياة هانئة للمواطنين؛ فنجد أن معظم الوزراء قبل توليهم المناصب تكون آراؤهم عامة وحرّة غير مقيدة، إلا أن تلك الآراء تتبدل وتتلون بمجرد الدخول إلى دائرة صنع القرار؛ فتكون الحسابات مختلفة بناء على برتوكولات الأبراج العاجية والبيروقراطية التي يصنعها البعض منهم لنفسه مما يؤدي إلى التعالي على المواطن البسيط الذي ما زال يحلم ليل نهار بوزير يحمل مرتبة مواطن.
فالمواطن البسيط يمثّل أغلب عدد السُّكّان، وهو في حاجة ماسة إلى من يطمئنه بأنَّ أسرته ستتلقّى تعليمًا جيّدًا في المدارس والجامعات وتطبيبًا ممتازًا في المستشفيات، وغذاءً متكاملًا في المنزل، وفُرَصًا متكافئة في الحصول على وظيفة ومسكن مريح يحتوي أسرته، ويؤمن مستقبلهم فمراعاة أحوال الناس وظروفهم، يجب أن تكون من الأولويات لأي مسؤول حتى وإن لزم الأمر تنقّلَه بين المدن والقرى والأحياء من أجل الوقوف على تنفيذ تلك المشاريع التي تنفق عليها الدولة مليارات الريالات بإشراف مباشر من قياداتها العليا التي جعلت همها الأول والأخير راحة المواطن والمقيم.
إلا أن ظاهرة الفوقية التي يصاب بها البعض من الوزراء والمدراء الذين يعيشون في تلك الأبراج العاجية تعتبر أحد أهم الأسباب الجوهرية لتعثر العديد من المشاريع الخدمية والمعاملات اليومية التي تُلامس احتياجات المواطنين في غالبية الوزارات والدوائر الحكومية؛ فالمفهوم التصوّري الخاطئ لمنصب (وزير) أو (مدير) جعلت البعض منهم يكتسب صبغة الغَرور مع العلم أن هذه المناصب تكليفًا، وليس تشريفًا يجعلهم يتغيرون، وينفصمون عن المجتمع بمجرد وصولهم إلى كراسي الوزارت الدوارة.
ونتيجة لهذه الفوقية عشعشت أمراض خبيثة في معظم الوزارات أخطرها على الإطلاق مرض الرشوة والفساد وأشدها ألمًا الروتين في تأخير إجراءات المراجعين ومعاملاتهم التي يقطعون مئات الكيلومترات من أجل إنهاء إجراءاتها؛ حيث يتكبدون الكثير من الخسائر المادية والنفسية، وكل ذلك بسبب التأخير في إنجاز الوثائق والأوراق التي لا تحتاج في بعض الأحيان إلا لجرة قلم وضربة ختم خلال دقائق معدودة.
وقد أدركت القيادة الحكيمة لهذا البلد المعطاء، أهمية التواصل الحكومي مع المواطنين؛ خاصة المستفيدين من الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة للمجتمع؛ فأصدرت التعليمات والتوجيهات للوزراء والوكلاء والمحافظين بتذليل كل الصعاب للمواطنين والوقوف على احتياجاتهم من الخدمات والمشاريع التنموية، والاستئناس بآرائهم بما يخدم الخطط والبرامج في تلك المدن والمحافظات.
لذلك أيها السادة الوزراء والمدراء بادروا بتصحيح الأخطاء، واقتربوا من هموم المواطنين واحتياجاتهم؛ ولنتذكر جميعًا أن المناصب ستزول يومًا ما، ولن يبقى سوى الأثر الطيب والأعمال الصالحة؛ وليكن الوزير مواطنًا والمواطن وزيرًا؛ ولنعمل بروح الفريق الواحد من أجل الوطن، فالسعودية العظمى تستحق منا جميعًا أن نكون مخلصين لترابها الطاهر.
وخزة قلم:
الجلوس في الأبراج العاجية يقلل الإنتاجية، ويخلق بيئة خصبة للفساد، والاستغلالية.