د. عبدالله علي النهدي

الولاء.. الجوهرة المفقودة في بيئة العمل

بادئ ذي بدء علينا أن نفرق بين مفهومي الانتماء والولاء المؤسسي، فهما لا يحملان نفس المعنى كما يظن البعض، فالانتماء يعني تلك الرابطة القانونية التي تربط الفرد بجهة معينة؛ فالشخص ينتسب لمؤسسة ما لسببٍ واقعي هو العمل والتخصص، ويمكن الحكم على وجود هذه الرابطة من خلال العقد المبرم بين الموظف وجهة عمله أو من خلال قرار تعيينه في تلك المؤسسة.
أما الولاء فيعني القرب، والمحبة، والصداقة، والاستعداد للتضحية، ويعد الولاء المؤسسي رابطة عاطفية تربط الفرد بجهة عمله؛ بمعنى أن الولاء رابطة تعتمد على المشاعر، وهي خيار لا يكون إلا عن رضا وقناعة، ولا يمكن الحكم بوجود الولاء إلا من خلال آثاره المتمثلة في سلوكيات الموظف وإنتاجيته، ولذلك فمن الناحية العملية يعد الولاء للمؤسسة أهم بكثير من مجرد الانتماء إليها، ومن هذا المنطلق عندما أدرك المهتمون بعلم الإدارة مدى أهمية الولاء لجميع المؤسسات الحكومية والخاصة على حدٍ سواء، اعتبروه أحد أهم العوامل الرئيسة لزيادة الإنتاجية وتحسين الجودة، وضمان المحافظة على الكفاءات البشرية داخل المؤسسة؛ لذلك أصبح الولاء هو المطلب الأسمى لجميع المؤسسات التي تنشد الريادة والتميز بين صفوف المؤسسات المتنافسة في سوق العمل. كما أصبحت المؤسسات تحرص وبشدة على خلق بيئة عمل جيدة ليس لمجرد المحافظة على مواردها البشرية فقط بل وتعمل على أن تكون بيئة عمل جاذبة لاستقطاب المتميزين من خارجها، كما تم وضع معايير لقياس مدى توفر بيئة العمل الصحية التي تتنافس من خلالها مختلف المؤسسات؛ لنيل صدارة الترتيب في المسابقات والمحافل التي تُقام لهذا الخصوص.
وفي واقعنا المعاصر وبخاصة في كثير من الدول النامية؛ فإن بيئة العمل لا تخرج عن إحدى ثلاثة أصناف؛ أولها: (بيئة العمل المثالية)، وهي التي تتميز بالشفافية والوضوح والمشاركة في صناعة القرارات، كما تهتم بالتحفيز المعنوي والمادي، فالإدارة تؤمن بأن هناك علاقة طردية بين الكفاءة الإنتاجية، وبين زيادة الحوافز المادية والمعنوية؛ ولذا تحرص المؤسسات ذات البيئة المثالية على تزويد الموظفين بكافة المعلومات التي يحتاجونها، وتشركهم في إعداد الخطط وصناعة القرار، كما تدعمهم بالحوافز المناسبة بما في ذلك من زيادة في الرواتب والمكافآت والعلاوات، وإيجاد السلم الوظيفي الذي يتناسب مع مؤهلات، وقدرات، وخبرات موظفيها، ويوازي حجم المهام التي يؤدونها؛ للإسهام بفاعلية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة، كما تهتم ببناء بيئة عمل صحية بكل ما تحتاجه من آلات ومعدات وأدوات وأثاث، بل يتجاوز اهتمامها بيئة العمل الداخلية؛ ليشمل بيئة الموظف الاجتماعية؛ فتوفر له السكن الملائم والتأمين الصحي المناسب، وإنشاء أندية رياضية، وترفيهية يستفيد منها منسوبو المؤسسة وأسرهم، بل ربما يذهب فكر الإدارة إلى تأمين برامج وخطط مناسبة لحياة الموظف بعد تقاعده، والأهم دائمًا في المؤسسات ذات البيئة المثالية هو المتابعة والتطوير المستمر لتحسين بيئة العمل؛ فلا يكاد يمر عام دون أن تشهد بيئة العمل تغييرات إيجابيه تعزز قيمة الولاء للمؤسسة.
أم الصنف الثاني فهو (بيئة العمل السلبية)؛ وهي بيئة تتميز بالجمود والثبات فإدارة المؤسسة لا تحرك ساكنًا تجاه راحة موظفيها، ولا تهتم بإحداث إي تغيير إيجابي في بيئة العمل ولا تلقي بالًا لتحفيز موظفيها لا ماديًا ولا معنويًا، ومع ذلك تجدها حريصة على الإنتاجية فقط، وتلوم الموظفين عند أي تقصير.
وأما الصنف الثالث؛ وهو (بيئة العمل القاتلة)؛ فتعد هذه البيئة أكثر سوءًا من بيئة العمل السلبية؛ فهي بيئة مهبطة للمعنويات ومدمرة لنفسيات الموظفين وقاتلة لطموحاتهم، فلم تكتفِ بكونها بيئة سلبية، ولم تتوقف عند جمودها في تطوير بيئة العمل الحالية؛ بل إنها تعمل جادة على تجريد موظفيها من كثير من المزايا والحقوق والحوافز التي يحصلون عليها في الوقت الحالي. الغريب أن إدارة المؤسسات ذات البيئة القاتلة ترى أن المعيار الوحيد لتوفير بيئة عمل مثالية يتلخص في إعطاء راتب للموظف يقبضه في نهاية كل شهر، وأن يحمد الله على العافية، ففي الوقت الذي تعمل فيه إدارة المؤسسة المثالية على خلق حوافز ومميزات تزيد من ولاء وارتباط موظفيها بمؤسستهم؛ نجد إدارة المؤسسة ذات البيئة القاتلة تسابق الزمن في تنتيف ريش موظفيها، وتجريدهم من أي مزية تشجع على الاحتفاظ بولائهم، وبقائهم داخل أسوار هذه المؤسسة، لذا من الطبيعي أن نرى تهرب الموظفين من تحمل المسؤولية؛ إضافة لأداء مهامهم بدون دافع أو حماس يذكر، ولا غرابة عندما نجد أسرابًا من الموظفين تفر وتنفذ بجلدها خارج قضبان تلك البيئة قبل أن تبث سمومها داخل أجسادهم، فهي لا تقل فتكًا عن سموم فيروس كورونا.
وأخيرًا ومع الإقرار بأهمية وقيمة الاتصال والتواصل داخل أي مؤسسة؛ إلا أن بيئة العمل المثالية تتجاوز أن تكون مجرد عبارة رنانة مكتوبة على لوحة إعلانية بينما يتناقض مضمون تلك العبارة مع واقع بيئة العمل التي يعايشها الموظف، كما لا يمكن اختزال البيئة المثالية في رسالة بريد إلكتروني تهنئ الموظف بعيد ميلاده!! أو تخبره أين يذهب هذا المساء؟، حتى إن الموظف أصبح يردد: أقرأ رسائلك أصدقك، أشوف أفعالك أستغرب!!
خاتمة:
تُسَائِلُ عَنْ حُصَيْنٍ كُلَّ رَكْبٍ * وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الخَبَرُ اليَقِينُ.
————————————————
عضو هيئة التدريب في معهد الإدارة العامة

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button