اللواء عبدالله سالم المالكي

القاعدون المتقاعدون

بعث لي أحد الزملاء المتقاعدين مقطع فيديو يحتوي على محاكمة رجل متقاعد في دولة أجنبية، ارتكب مخالفة مرورية عند ذهابه لموعد في مستشفى عسكري، وعند سماع أقواله التي توحي بأنه أحد المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحروب، أعفاه القاضي من العقوبة، بل ووقف احترامًا له، وحيّاه التحية العسكرية إيمانًا منه بالدور الذي قدمه خلال خدمته الوظيفية.
وقد لفت انتباهي تلك النظرة الحانية من القاضي تجاه العسكري المتقاعد المخالف، وإعفائه من العقاب، والثناء عليه، وتقديم التحية العسكرية له، والإسهاب في ذكر أمجاده، وأمجاد زملائه في الذود عن الوطن، والدفاع عن حياضه.
موقف القاضي هو ما نطمح له في بلدنا العظيم، ونتمناه من جميع المسؤولين في مختلف الإدارات الحكومية حين مراجعة متقاعد أفنى زهرة شبابه في خدمة دينه ووطنه ومجتمعه، وحصل له موقف يستوجب النظر بعين الاعتبار لماضيه التليد، والوقوف إلى جانبه جزاءً له وتحفيزًا لمن هم على رأس العمل من أمثاله، وسيأتي اليوم الذي يصبح مصيرهم مثل مصيره (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
ولن يتحقق ذلك بالتمني، وإنما بقوة الأنظمة التي يجب أن يكون للمتقاعد نصيب منها، ومهما بذلت المؤسسة العامة للتقاعد من جهود وقدمت من توصيات فسيبقى دورها تنظيري إن لم تساندها الجهات الرسمية بِسَنّ المزيد من القرارات الإيجابية لهذه الفئة الغالية سواء كان المتقاعد رجلًا أو إمرأة فكلاهما في أمس الحاجة إلى ذلك.
وفي أدنى الأحوال مايحتاجه المتقاعد من تحفيز نفسي، واستقبال يليق به، وبماضيه بدلًا من ازدراء بعض الموظفين له، والصد عنه لمجرد أنه متقاعد، أو تهميش دوره في المجتمع؛ وكأنه قطعة أثاث إنتهى دورها !!
وحَريٌّ بالمتقاعد أن يحظى بإعفاء من مخالفة مرورية أو قسط سنوي أو غرامة مستحقة إذا اعترف بها، وبررها بظروفه الصحية أو المادية، وهذا من جبر الخواطر الذي هو جزء لا يتجزأ من قيمنا وتعاليم ديننا الحنيف.
المتقاعدون من مختلف الوظائف تجاوزت خبراتهم التراكمية ثلاثة عقود، وتعاقبت عليهم الظروف على اختلافها، وصقلت موهبتهم تجارب الحياة المتنوعة، وبالإمكان الاستفادة منهم في المكاتب الاستشارية كخبراء حسب تخصصاتهم، فهم أفضل خبرة إدارية وميدانية، وأكثر دراية بهموم المواطن وحاجة الوطن مقارنة بغيرهم ممن تلجأ إليهم الكثير من المكاتب الاستشارية.
وبالرجوع قليلًا إلى الذاكرة نجد أن هناك كثيرًا من كتّاب الرأي تكلموا عن هموم المتقاعدين وظروفهم، وأشبعوا الموضوع من جميع جوانبه، ولكن لم تفعل توصياتهم وآرائهم بالشكل المأمول.
وربما كانت آخر كلمة عن المتقاعدين تلك الكلمة الضافية التي شملتها خطبة الجمعة في المسجد الحرام، وألقاها معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف جزاه الله خير الجزاء، إلا أنهم لا زالوا يحتاجون للمزيد من الاهتمام والقرارات التي تصب في مصلحتهم ومصلحة الوطن بعيدًا عن الأمنيات والتنظير.
رفقًا بالمتقاعدين فهم في أمس الحاجة إلى من يأخذ بأيديهم لمرحلة جديدة من الحياة، وعلينا أن لا نحرمهم من المشاركة في الاحتفالات الوطنية، بل نضع لهم مقاعد تليق بهم في الصفوف الأولى، ونوجه لهم الدعوات للحوارات الوطنية أو الندوات الاستشارية فهم فئة غالية من هذا الوطن العظيم.

Related Articles

4 Comments

  1. سعادة ‏الاخ المستشار الأمني عبدالله المالكي ‏أشكرك على هذه الأفكار الجميلة والمخلصة والتي لا أعتقد أنها قابلة للتطبيق عندنا ولا يتطلع المتقاعدين في بلادنا الى اي مساواة بالدول حتى غير المتقدمة

    حيث ان سقف طموح المتقاعد في المملكة يقف عند‏اسكات المتطاولين على المتقاعدين والحط من قيمتهم والاستهزاء بهم في قناة رسمية على الملأ اصبح يشاهدها الملايين من داخل المملكة وخارجهاجميع من يعمل بها نتاج تعليم المتقاعدين الذين مع الاسف جرعتهم الاهانة فانطبق على المتقاعدين مع القناة السعودية المثل القائل بغينا ابلهم فاخذوا حميرنا..

    1. اللوم كل اللوم على المسؤولين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون لعدم إيقافهم ذلك المهرج الذي يهرف بما لا يعرف ولكن للأسف إعلامنا لن يتطور اذا بقيت نفس القيادات المتحجرة فيه .
      تحياتي للجميع .

  2. ‏‎‎يعجبني حبر قلمكم سعادة اللواء م. عبدالله، ونكهته الوطنية جديرة بالإعجاب، وهنا اسأل عن دور المؤسسة العامة للتقاعد، و حتى لا أجحف دورها، نعم تصلني منها كمتقاعد رسائل sms توعوية، وغير ذلك لا أعلم لها دور، أو قد أجهل دورها وانتظر من يسرد إنجازاتها إن وجدت، بوركت كل يد تخلص للمهنة والوطن

  3. شكراً اكم اساتذتي الكرام
    الأستاذ احمد الغامدي
    الأستاذ عبدالرزاق حسنين
    لا زال المتقاعد معتزاً بنفسه مفتخراً بوطنه متفائلاً بمهندس الرؤية 2030 وما سيكون للمتقاعد منها بإذن الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button