منتدى القصة

التبرير المجهول

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، قرر النسيم فيها أن يتصنع الهدوء في تسارعه، ليعبر بهدوء بين الغافلين، يلسع أجسادهم، ويستغل إهمالهم، كانوا منشغلين بالحديث والمسامرة في الفلاة، بينما في منتصف السماء أطل القمر يستمع إلى أحاديثهم دون تعليق، كان اجتماعهم مصادفة كأنما تقاطعت طرقهم بينما يسيرون، لم يكن لحديثهم رتابة اللقاءات المرتب لها، فكل واحد منهم كان يتحدث قبل أن يفكر فيما يقوله، وكان بينهم من هو شديد الثقة بأن كل شيء سيكون بخير، لن يؤذيه البرد، ولن يخاف سوء الفهم والتقدير لما يقوله، فكان يتكلم بحرية كما لو كان يسبح في حالة السلام والتصالح مع كل شيء، رمى بتعليق هنا وهناك وضحك معه من طمع في أن يبعد عنه ثقل دعاباته، وبينهم.. جلس ذلك الحالم الذي يحلق بعينيه بعيدًا، كان منشغلا سارحًا، يطارد في الأفق فكرة ظلت تسرق انتباهه شيئًا فشيئًا، وبينما انتبه إلى وجود القمر..خيل إليه أنه يبتسم، اتسعت عيناه عندما أيقن أن صمت الجميع فجأة ليس في صالحه، فعاد بعينيه بينهم ليجدهم ينظرون إليه وتدب ضحكاتهم على تعليق حول سمنته، فتدارك الأمر ليضحك محاولاً اللحاق بركبهم حتى زاد عنهم بقهقهات إضافية، تدخل العليم بإحساسه وأعرفهم بحساسيته ليخبرهم أن العشاء جاهز..ولم يكن العشاء جاهزًا فحسب، بل كان مما يكسر قواعد الحمية، ووعود النحافة، التي يعقدها هذا الحالم بعد كل وجبة، ولسوء الحظ أنها أمنيات ألبست ثوب الوعود.
أثناء العشاء، سمعوا أصوات طبول من بعيد، وكان الحلم لا يزال تحت ضغط تلك الكلمات الجارحة، والتي قرر دحرها بالمشي بعد العشاء، بدأ في المشي ليشعر بعد برهة أنه لا يحقق رغبته، فهرول لعل كثرة ما أكله تنحدر عن ضميره، وأثناء ركضه زادت أصوات الطبول خلف الحاجز الترابي، فزاد من سرعته حتى وصل إلى أعلاه، وأطل عليهم، واستمر يراقبهم ثم انتبه لمن يناديه باسمه فالتفت ليجد أن جل أصدقاءه كانوا يركضون باتجاهه، وخلفهم كان الغبار متجهمًا وعاليا، قفل راجعًا عن الحاجز بخطوات واجفة مندهشًا ومتسائلاً بعينيه عما يجري حتى وصلوا إليه، كانوا يلهثون، وبينهم كان صديقه المقرب ينظر إليه بعينين تملؤها دموع الخوف، ثم قالوا بصوت واحد: هل أنت بخير؟ فطاف بعينيه بينهم دون رد، ثم تدارك الأمر صديقه فأخذ بيده يجره إليه، ليعودوا حائرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى