منتدى القصة

الحقيقة

لم يدر في بال أحمد أنه سيكون على موعد مع الحقيقة بهذه السرعة .. أحمد الذي نجح لتوه في الصف السادس الابتدائي وانتظر أن تكون هديةُ نجاحه أن يسافر في الإجازة الصيفية إلى الرياض ليلعب ويلهو مع أبناء خاله في بيت جدته …كان يرقبُ اللعب واللهو معهم بشغفٍ وتوقٍ …كان ما يزال في السنّ التي تراوغ الحياة بالضحك والمرح البرئ ….ظل ينتظر بنفاد صبر انتهاء امتحانات أخواته في الجامعة لتنطلق السيارة بهم إلى جمال الحياة ووجهها الباسم . جاء اليوم الذي ينتظره أحمد على غير ما يريد ..توفت الجدة ..كانت الصدمة قاسية على الأسرة .. لكن والدة أحمد هي التي أصابها الانهيار الأكبر ..كانت تصرخ وتبكي بهيستيريا .. فالجدة لم تكن مريضة .. لم تشكُ من شئ ..كانت تنتظرهم في شغف ومحبة .. أعدّت لهم كل المأكولات التي يحبونها .. هاتفتهم كثيرا ليسرعوا إليها .. قالت إنها تريد أن تشعر بالحياة معهم. كان يوم السفر إلى الرياض غير ماكان يتمنى أحمد .. غير ماكان يتوقع .. قطع طريق البر مع أسرته بقلبٍ حزين .. تطارده صورة الجدة الراحلة .. كلماتها الأخيرة . لم يكن يتوقع أن يردد كلمة ” الأخيرة ” ذات يوم .. بدا البيتُ موحشا حين لم يجدها في استقباله ..لم تنطلق زغاريدها كالعادة حين تراه ..بل انطلق صراخ أمه حين رأت ظلمة البيت ووحشته. ذهب إلى المسجد للصلاة عليها …وقف على قبرها خلف صفوف الرجال ..بكى بمرارة حين أنزلوها إلى القبر ..كاد يصرخ حين رآهم ينثرون التراب على وجهها وهو الذي لم يكن يحتمل نقطة عرق على هذا الوجه الغالي ..نظر إلى الأفق .. أدرك أنه يرى حقيقة الحياة للمرة الأولى .. يراها في العيد الذي جاء على غير ما يتمناه…!

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رحمها الله وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة
    ابكيتني يارجل والله ابكيتني سلمك الله

  2. ماشاء الله
    سرد قصصي جميل ورائع، خيال واسع، ينقل القاري لتصور الأحداث وكأنه يعيش فصول القصة لحظة بلحظة..!!.
    قيمة مايكتب تكمن في مدى التأثير على مشاعر القاريء، تفاعله، معايشته للأحداث أو غوصه في عمق المعنى، ذلك ما يضفي بعداً آخر في إيجاد أرضية مشتركة بين الكاتب والقاريء..كل التوفيق أستاذنا الفاضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى