– جلس السيد الممتلئ قليلًا والسعيد كثيرًا إلى عائلته بعدما تناولوا طعام الغداء، اقترب منه طفله الذي يبلغ من العمر تسعة أعوام؛ احتضنه وغفا الصغير المدلل في حضنه؛ صفقت بجناحيّ بقوة، فزع الجميع وقد كادوا يستسلمون لنعاس طفيف؛ حيث تسللت الشمس الدافئة عبر الزجاج المواجه للمسبح المائي إلى غرفة المعيشة، إنهم يتلذذون بالنوم الخفيف هناك، ولاينتقلون إلى غرف نومهم الوثيرة إلا بعد العاشرة مساء…
– اقترب مني السيد داعبني بصبر نافذ، وهو يشد على أسنانه من الغيظ، مسح بيده على قفصي المذهب المجاور لنافذة كبيرة تعكس السماء الزرقاء على زجاجها الشفاف، ذلك العالم الذي حرمت منه؛ ووضعت هنا أكمل زينة المكان، وأدخل السرور على قلب عائلة تكاد لاتكترث لأمر لايعنيها .. الشارع المكتظ بالسيارات والفقراء المتسولون والحرب الباردة وشئون الشرق الأوسط لاتعنيهم إلا بقدر ماتجني شر كاتهم أرباحًا طائلة، ظللت أرفرف بجناحيّ عاليًا، وأصعد درجات القفص وأهبط؛ أحدث ضجيجًا أفزع قيلولتهم، تساءلت السيدة عما حدث لي، وقد قامت الخادم بتنظيف قفصي، ووضع الطعام والشراب لي، ضحك ابنها الكبير ذو الشعر الكثيف والصوت العالي والفوضى المزعجة قائلًا ياأمي: لعله شبع !، ولو تركته جائعًا لسكن والتزم الهدوء … ازداد شعوري بالقهر، رفرفت أكثر وبسرعة أكبر، فالقفص المذهب لأجلهم، والنافذة وانعكاس الشمس فوق صفحة الماء، كل ذلك لايعنيني، أحن إلى أسراب العصافير والأغصان، وإلى انتشاء الحقول بالمطر والشمس وتنوع الفصول، رفرفرت أكثر، وازدادت رفرفتي، كسر جناحي، نزفت دمًا سقطت على أرض القفص، اقتربت مني الفتاة ذات الأربعة عشر ربيعًا ونعومة، فتحت باب القفص وهي تبكي، ناشدت عائلتها بأن يطلقوا سراحي، وافقوا جميعًا، رفعت جسدي لأطير، وفي أذني غناء البلابل، وزقزقة العصافير، وأزيز الفراشات الملونة، وحفيف الشجر، وخرير المياه، فسقطت مغشيًا.