صحيح أن كلَّ الإجراءات التي اتّخذت من قبل حكومتنا الرشيدة منذ ظهور بوادر تفشي فيروس كورونا مطلوبة ولولاها بعد توفيق الله لما أمكن السيطرة على تفشي الوباء، وصحيح أن الإجراءات في بداية الجائحة كان لزامًا أن تكون مشددة في ظل قلة المعلومات عن الفيروس وعدم توفر التطعيم، وصحيح أنه حصلت وتحصل مراجعة من وقت لآخر من الجهات المختصة لواقع الجائحة، وتأثيرها على مناحي الحياة المختلفة وتخفيف الإجراءات والقيود وفق ما يستجد. أما وقد وجد اللقاح، وانتشرت مراكز إعطاء التطعيمات في جميع مناطق المملكة، وأصبح التطعيم متاحًا لشرائح واسعة من المواطنين والمقيمين؛ ليكون استكمال تطعيم المواطنين والمقيمين مسألة وقت لا أكثر، فقد حان الوقت للانتقال إلى أسلوب جديد للتعامل مع الجائحة وأثارها.
بناء استراتيجية عملية طويلة للتعامل مع الوباء وغيره من أوبئة قد تنتشر مستقبلًا لهو أمر غاية في الأهمية كما أن إقامة مناحي الحياة المختلفة لوجود الوباء مطلوب تحقيقها إذ من الصعب القبول بفكرة الانتظار حتى الوصول إلى الرقم صفر من الحالات لإعادة انطلاق الحياة من جديد، والتخلي عن اقتصار أنشطة الحياة على الضروري منها. لذلك فالخطط والبروتوكولات يجب أن تكون جاهزة ومعلومة ومتطلبات تنفيذها متاحة لدى جهات الاختصاص؛ ليتم تطبيقها وفق المستجدات. قرار مجلس الوزراء الموقر بتاريخ 18/7/ 1442 ﻫ بتحويل المركز الوطني للوقاية من الأمراض ومكافحتها إلى هيئة عامة باسم هيئة الصحة العامة، خبر مر سريعًا لكن واقع الحال أن الهيئة الوليدة ذات أهمية حاضرة ومستقبلية قصوى، وما احوجنا إلى سرعة تشغيلها ودعمها لتقوم بدورها المنتظر لحماية الصحة العامة للمجتمع والتصدي لعملية مكافحة الأوبئة القائمة أو المستجدة. خبرات وزارة الصحة وتجربتها في التصدي لجائحة كورونا هي القاعدة الصلبة لعمل الهيئة؛ فقد استثمرت حكومتنا الرشيدة الكثير في مواجهة واحتواء الجائحة، وينتظر المحافظة على نتاج هذه التجربة، وما أفرزت من خبرات تراكمية هامة.
التعامل مع أثار الجائحة الاقتصادية بدأ مبكرًا، وتمت معالجة الكثير من الأثار وما زال الطريق طويلًا في هذا المجال. أما الأثار الاجتماعية والنفسية فهي أشد وطأة والتعرف عليها وتشخيصها يستدعي الكثير من الدراسات يعقبها إجراءات المعالجة وإعادة التأهيل. فقد أوصى مستشفى جونز هوبكنز باتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الصحة النفسية للمجتمعات المتأثرة بالفيروس؛ وخاصة المخاوف التي تكونت حول انتقال المرض من شخص إلى آخر والتي أثرت على التماسك الاجتماعي، وتركت أثرًا سلبيًا على الصحة النفسية للمجتمعات. وكذلك المخاوف التي ساهم الإعلام في نشرها بين عامة الناس؛ ولذا لابد من تدابير إيجابية تساعد على العناية بالصحة النفسية للمجتمع والأفراد. وفي هذا الإطار ينظر باهتمام إلى اتفاقية الشراكة التي وقعها المجلس الصحي السعودي مع إحدى الجمعيات المتخصصة في الأبحاث الصحية والمجتمعية؛ لتنفيذ مشروع دراسة مسحية للأثار النفسية لجائحة كوفيد – 19على المجتمع السعودي، وبناء نظام لرصد مؤشرات الصحة النفسية. والأهم أن تأخذ توصيات الدراسة طريقها للتطبيق لنتمكن – بإذن الله – من معالجة مجمل أثار واحدة من أخطر كوارث القرن الواحد والعشرين.
* أستاذ جامعي