قال صاحبي: هل فعلًا ستنفذ إيران تهديدات قائد الحرس الثوري الإرهابي الأخيرة؟، وهل حقًّا سيرقص الملالي على سمفونية عظام أمريكا، وهي تتحطم على يد إيران وأذرعها الإرهابية؟ وهل سيرى العالم عمائم الشيطان السوداء، وهي تضطرب حول معبد النار في بيرهريشت؟
خلال الأربعة عقود الماضية شكل النظام الإيراني – نظريًّا- معضلة عصية على حلول واشنطن السحرية، فهي لا تستطيع إظهار التوافق التام مع نظام ثيوقراطي يخالف القيم الأمريكية، ويتبنى في إعلامه ومناهجه الدراسية وخطابه السياسي شعارات عدائية لأمريكا، وحلفائها في المنطقة، وفي ذات الوقت لا تستطيع غض الطرف عن سياساتها العدوانية، والسماح بدخولها النادي النووي!!
وفي المقابل ينظر ملالي طهران -ظاهريًّا- بعين الشك والريبة إلى سلوك الإدارات الأمريكية المتعافية، نحو إيران وثورتها، حتى غلب طابع القطيعة في أغلب الفترات على هذه العلاقة، رغم عدم ممانعة مؤسس الثورة الهالك الخميني إقامة علاقات مع واشنطن، “وكان يردد أمام مريديه ما الفائدة من العلاقة مع أمريكا، نحن لا نحتاجها؟، هم الذين يحتاجون للعلاقة معنا!”، ولكن ما يحدث في السر خلاف ما يُقال في العلن؛ فالملالي يصرحون فيما بينهم إن ثورتهم لن يرحب بها في العالم من دون جواز مرور أمريكي!، وهذا ما ذكره صراحة رئيس مصلحة النظام رفسنجاني مستعيرًا عبارة تشرشل” لا يوجد لنا عدو دائم أو صديق دائم، الدائم هو مصلحتنا الوطنية”.
ورغم تعدد الإدارات الأمريكية التي تعاملت مع الملف الإيراني -سبع إدارات- وتنوع السياسات والاستراتيجيات الأمريكية في التعامل مع طهران بين العصا والجزرة لكنها لم تجد نفعًا مع هذا النظام المارق، إذ فشلت سياسة الاحتواء المزدوج التي تبناها كلينتون، وسقطت شعارات محور الشر، والدول المارقة التي رفعها بوش الابن، وتحطمت يد أوباما الممدودة، كما أخفقت سياسته بإشراك الخصوم، حتى سياسة الضغط القصوى التي تبناها ترامب رغم أهميتها لكنها أبقت على قوة الخصم وقدرته على ابتلاع الضغط وعودته السريعة للتكيف مع دبلوماسية بايدن المتراخية، وممارسة إرهاب الدولة من أفغانستان إلى لبنان وصولًا لليمن.
كيف نفهم الواقع إذن؟ طبيعة السياسة بشكل عام والإيرانية بشكل خاص وتعقيداتها تقودنا إلى أن نعيش في حيرة وتناقض، لكن من هو في داخل دوائرها يدرك جيدًا خفاياها، ويعلم رغبة إيران تحديدًا بالإبقاء على تقاربها مع أمريكا بشكل غير ظاهر، أي تبادل للمصالح أكثر منه انفتاحًا على كافة الأصعدة؛ حتى لا تخسر طهران اتباعها ومن انخدع بسياستها وساستها وشعارتهم الثورية، وانكشاف الفجوة بين خطابهم التعبوي المتشنج، وبين واقعهم المتناقض والهش مع الشيطان الأكبر!
ولذا يدرك ملالي قم أن عملية تغيير مواقفهم تجاه القضية الفلسطينية يجب أن تكون تكتيكية تسمح لهم بالمناورة والمراوغة بشأنها، من أجل الاستمرار بخداع بعض عوام الشعوب العربية والإسلامية، وفي ذات الوقت كسب رضا ساكن البيت الأبيض وجماعات الضغط، فقد تعالت الأصوات في الغرف المغلقة بضرورة تخفيف الحساسية تجاه فلسطين، وحان الوقت للتعامل مع هذه القضية بواقعية، وبأنها أصبحت قضية غير ذات جدوى لإيران.
وهناك من تحدث صراحة أنه يجب على الإيرانيين ألا يكونوا أكثر فلسطينية من الفلسطينيين، فالعلاقة العلنية مع إسرائيل سوف تحقق لنا المكاسب، ويجب أن تتعامل مع هذه القضية بالطريقة التي يتعامل بها الغرب، فبراغماتية إيران تقودها لاستغلال جميع الفرص، وتقديم المزيد من التنازلات عن قيمها الأيديولوجية، من أجل اتساع وبقاء نفوذها في المنطقة.
قلت لصاحبي:
أبشر بطول سلامة يا مربع.