تُسهم النباتات والأشجار بنسبة كبيرة في تنمية المدن من النواحي النفسية والصحية والاقتصادية؛ بالإضافة إلى وظيفتها في تجميل الفضاءات الخارجية، وتوفير المكـان الأفضل لكل فئات المجتمع العمرية لممارسـة هوايـاتهم المفـضلة والتنزه، والترويح عن النفس كما أنها تقـوم بالقضاء علـى العديـد مـن السلبيات التي تنـتج عن النمـو السكاني، وتحافظ على المنظر والشكل الجمالي، وزيادة الرقعة الخضراء داخل المدن.
وعلى العكس من ذلك يؤدي عدم وجودها أو قلة أعدادها في أي منطقة إلى خلل في التوازن البيئي؛ كون هذه النباتات تعمل على زيادة نسبة الأكسجين في الجو من خلال عملية التمثيل الضوئي التي تقوم بها؛ وذلك بامتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين، ومن هذا المنطلق برزت أهمية عملية تشجير المدن لتخفيض درجات الحرارة، وزيادة معدلات الرطوبة فـي الهواء، والتقليل من تـأثير الرياح السلبي.
ويعتبر التشجير وزيادة المساحات الخضراء من أهم المرافق التي تتنافس فيها الأمانات والبلديات لإظهار مدى عنايتها بالمدينة؛ وخاصة المدن ذات الطبيعة الصحراوية والتي عادة ما تشكو من ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية والرملية؛ فيكون لزيادة المسطحات الخضراء فيها أهمية بالغة في المحافظة على البيئة، وتعديل المناخ وتلطيفه، وكذلك تحسين التربة وزيادة خصوبتها ومنع التلوث الذي تحدثه العواصف الغبارية، كما أن اللون الأخضر عادة ما يرمُز إلى السّلام والخير والنعمة، وهو يُضفي على النفسِ الشعور بالجمال، وحُبَّ الطبيعة والراحة النفسية فيلجأ من يعاني من ضغوطات الحياة إلى الاستجمام بالطبيعة الخضراء التي أوجدها الله -عز وجل- في هذا الكون مما يـنعكس بـشكل إيجابي علـى صحة الإنسان وراحته.
ومن منطلق حرص حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على توفير كل سبل الراحة لإنسان هذا الوطن فقد أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – رعاه الله- إطلاق “مبادرة السعودية الخضراء”، والتي تهدف إلى زراعة عشرة مليارات شجرة بالمملكة خلال السنوات القادمة فضلًا عن التعاون مع دول عربية أخرى لزراعة أربعين مليار شجرة لخفض انبعاثات الكربون ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي؛ حيث ترسم هذه المبادرة توجه مملكة الإنسانية لحماية الأرض والطبيعة من خلال خارطة طريق واضحة المعالم لاستعادة التوازن البيئي، ودعم الحياة الفطرية في المملكة؛ حيث سيكون لها أثر إيجابي على جودة الحياة بإذن الله تعالى وتحقيق البُعد الجَمالي كعنصرٍ ضروري للحياة البشرية وفق المقاييس العصرية والعالمية في مجال الزراعة المستدامة.
لذلك ومن أجل نجاح هذه المبادرة؛ فإن هناك أسس علمية يجب الأخذ بها عند التشجير داخل المدن وخارجها كملائمة النباتات للظروف البيئية المحلية؛ خاصة وأن المملكة العربية السعودية تتأثر بعوامل مناخية متعددة أهمها اتساع الصحاري الداخلية وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، بالإضافة إلى قلة مياه الأمطار والينابيع والآبار كما ينبغي معرفة الظروف البيئية للمنطقة المراد زراعتها، وذلك لاختيار الأنواع النباتية المناسبة والملائمة لطبيعتها.
وحتى تنجح الجهود في مجال تحقيق هذه المبادرة، وتكوين بيئة خضراء جاذبة فإنه من الأهمية بمكان تحقيق المشاركة الكاملة مع الأفراد والمؤسسات التطوعية المحلية في الأحياء السكنيّة بالمُدن الكبرى والمحافظات وجميع التجمّعات السكانية والوقوف جنبًا إلى جنب مع البلديات وغيرها من الجهات المختصة، وأيضًا دعم المستثمرين من القطاعين العام والخاص في هذا المجال فغرس الأشجار في حد ذاته لا يكفي، بل لا بد من ضمان قدرتها على الحياة والنمو وأيضاً التأكُّد من أن هنالك وعيًا عامًا بين السكان باحتياجات تلك الأشجار، والعمل على رعايتها والمحافظة عليها من أجل البقاء لأطول مدة ممكنة فمشاريع التـشجير المقامـة في المدن والمحافظات أصبحت تُمثل عنصرًا هامًا من عناصر تكوين المدينـة، يظهر ذلك جليًا في دور الإنسان في زيادة المساحات الخضراء داخل المدن وخارجها؛ رغبةً منه في خلق حياة صحية للقاطنين فيها؛ وذلك بتطبيق مصطلح التشجير الذي يعد من المصطلحات الحديثة التي عمل الإنسان على تطويرها وتطوير أساليبها فالمساحات الخضراء بجمالها الساحر تُعد صفةً من صفات الجِنان!
وخزة قلم:
الشجرة ظل وغذاء وقطعها، والعبث بها يعد جريمة نكراء.