عبدالرحمن الأحمدي

سَجِين

تكتظ المشاعر الإنسانية العذبة في النفس، وتتزاحم الأحاسيس المرهفة في دواخلها، ولا يستطيع اللسان البوح بما في كل مكنونات الأعماق، وتظل الحروف الجميلة متعثرة، وتضحى العبارات العاشقة مقيدة، وتتأرجح نبضات الهوى محتارة بين جمال العناق وأمر الفِراق، وتحتار الأنفس ما بين حلو الأمل ومر الألم. وكل هذا وغيره ليس من استحالة في الحديث، ولا صعوبة في التعبير، ولا عجزاً في النطق، أو قصوراً في المنطق ولكن كل هذا أو ذاك لغياب المعشوق عمداً عن لقاء الروح، أو نقضه قصداً عهود الوفاء، أو من حيث حجم الظلام الذي يكتنف كيانه، والضلال الذي يحوي فكره، والجهل الذي يسود كثير من أفكاره، والضباب الذي يطوف بين عينيه، وحيث الوهم الذي يتغشاه في غسق الليل، والوهن الذي يتلبسه في عتمة ماقبل الفجر. وفي كمية المشاعر الباردة التي تتملكه بإرادته وتسلبه بالتأكيد القدرة على مبادلة الحب بالحب، والغرام بالغرام، والهيام بالهيام. والموقف انتظار. ومجمل الأمر مؤجل حتى إشعار آخر. وعلى المحب كبت كل أحاسيسه في أقصى أركان جسده، أو في أدنى درجات مخيلته.. فربما يصحو الخل من سباته، أو ربما تصل إلى من يعنيه المرتجى فعلاً وتستهويه كثيراً حتى ولو كانت مصادفة على إحدى الطرقات وفي لحظات مختطفة من الزمن ولكنها من المؤكد أنها ستكون تاريخية حافلة بالود الصادق، والعهد الدائم، و الرفقة المؤبدة.

وهم كل لحظات العشق الماضية، وهم كل كلمات الحب العابرة، وهم كل تفاصيل الأحداث البائدة. لاحاجة لها الآن تماماً. الوجوه لم تعد كما كانت باسمة. والقلوب لم تعد كما كانت صافية. والأرواح لم تعد آمنة. والأجساد المتماسكة باتت متهالكة. تمزقت عرى مواثيق الهوى، تحطمت أسوار الهيام، اختلفت موازين الوفاء. الصدق ذهب بعيداً بلا رجعة، والعهد رحل منهكاً بلا عودة، والوعود كافة أصبحت مجرد حبراً على جدر وصال منهار. والجرح أمسى سحيقاً في الجسد. والمغادرة من محيط الأحباب من المؤكد أضحت هي العنوان الكبير وهو القرار المفترض لقلبٍ أحاطه الهم من كل جانب، لقلبٍ زاحمه الغم من كل اتجاه، لقلبٍ خيم الحزن عليه جل أوقاته. فأي إنسان يحتمل الهم والغم والحزن في قلبه مجتمعة؟ وأي إنسان يحتمل الألم والجرح من أجل حياةٍ أحاطتها الظَلماء؟ من أجل حياةٍ اكتنفها الغموض؟ من أجل حياةٍ سادها الوهن؟ هذا قدرك أيها السجين المحب في سجن لايحتوى على أعمدة حديدية قد تفتح في أي لحظة من الزمن لعفو مرتقب ..ولكن سجنك في أقصى أعماق صدر قد مل من آهات متتالية، وأنات متزايدة لا تنتهي، وحسرات متعاقبة ليل نهار. فإما تسليم ونسيان وبحث عن مأوي بعيد، وإما فزع يعقبه جزع وسخط لاينتهي في طرقات الحياة المؤلمة يأيها السجين الدائم في سجون الهوى.

Related Articles

3 Comments

  1. (فإما تسليم ونسيان وبحث عن مأوي بعيد، وإما فزع يعقبه جزع وسخط لاينتهي في طرقات الحياة المؤلمة يأيها السجين الدائم في سجون الهوى.) إبداع معهود في محبرة قلمكم أيها الأحمدي أنيق الحرف محترف القلم.. بوركت يمينكم..

  2. لاتقنط ياعزيزي الكاتب… فلربما يصحو الخل من سباته …وتكون حياتك أجمل بإذن الله

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احسنت بارك الله لك وعليك متألق ايها الكاتب المرهف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button