عبدالرحمن العامري

السقوط في وحل الخيانة

لا يوجد أحد لا يحب وطنه، ولا يهب للدفاع عنه في أوقات الشدة والتصدي للأعداء، ودحر الغزاة والطامعين، والدفاع عن أرضه الآباء والأجداد، وتسجيل البطولات الخالدة فحب الوطن والدفاع عنه شرف وغاية ينشدها كل من خلق على وجه هذه البسيطة؛ فكثيرًا ما يضحي المرء بحياته وعمره في سبيل رفعة شأن وطنه وأمته ليغدو بطلًا أو شهيدًا يكتب اسمه بأحرفٍ من نور في صفحات التاريخ والخلود، فتذكره الأجيال جيلًا بعد جيل، مسطرًا بدمائه الزكية ملاحم خالدة في النضال من أجل إعلاء شأن وطنه.

غير أن هناك في كل مكان وزمان من يقدمون على بيع ضمائرهم والتعاون مع أعداء وطنهم فلا ينالون إلا الخسران والعار في الدنيا والآخرة.
بل إنهم يبقون منكسي الرؤوس يحسبون كل صيحة عليهم فلا يخرجون من جحورهم، ولا يعرفون كيف يمضون العيش في ظل ذلك العار الذي يلاحقهم حتى وهم في أوكارهم!!

وليس غريبًا أن كل الأمم اتفقت عبر التاريخ بأن الخيانة هى أقذر وأحقر صفة مهما كان مبررها، أو غايتها فهي جريمة قديمة قدم الحياة و لها الكثير من الوجوه المشوهة والأقنعة المزيفة فالموظف الذي يهمل في عمله يعتبر خائنًا لعمله، والذي يقوم بالاستيلاء على المال العام يعتبر خائنًا للأمانة، كذلك المسؤول الذي يقوم باستغلال وظيفته من أجل تحقيق منافعه الشخصية على حساب المصلحة العامة هو خائن لوظيفته، والشرطي المهمل في حراسته هو خائن لعمله، والجندي المتخاذل أو الذي يفشي أسرار عمله هو خائن لقسمه، وتاجر المخدرات الذي بجلب السموم لتفتك بالأفراد خائن لمجتمعه، وكذلك الحال في الموظف المرتشي والمختلس.

ومع أن هذه الخيانات تحدث شرخًا كبيرًا في المجتمعات إلا أن خيانة الوطن جريمة كبرى لا تغتفر، وقد عُرف الخونة لبلادهم في العصر الحديث (بالطابور الخامس) أو (الخيانة العظمى)، وهو وصف لمن يتعاملون مع الأعداء بالداخل أو الخارج بغرض التخريب والتضليل وإشاعة الفوضى وتسريب المعلومات السرية للبلاد مما يؤدي إلى المساس بأمن البلد واستقراره لذلك فإنها تعد بمثابة جرثومة يصاب بها الخائن، ولا يمكن أن يشفى من دائها إلا على يدي العدالة التي يجب أن تناله أينما ذهب، ومهما استمر في غيه وظلاله كما يجب إنزال أشد أنواع العقوبات بصاحبها؛ لأنه ليس هناك أسباب مشروعه لخيانته، فثمن الخيانة كبير يجب أن يتحملها كل من باع ضميره ووجدانه، وأدار ظهره لوطنه وأمته.

وختامًا فالخيانة من الجرائم البشعة، التي تُحاربها الشريعة الإسلامية مهما تعددت صورها؛ خاصة خيانة الأوطان فهي وحل قذر لا يجيد السباحة فيه إلا الملوثين فكرًا وعقيدة حيث يعد ولاؤهم وانتماؤهم للعدو سقوط وانتحار لا مبرر له وجريمة شنعاء لا تغتفر كون المجني عليه هو الوطن الذي تنعموا بخيراته؛ فكل عمل مشين يمكن للمرء أن يجد له مبررًا إلا خيانة الوطن لا مبرر لها ولا شفاعة لمرتكبها مهما كانت منزلته، ومهما كان السبب الذي دفعه لها فالوطن بمنزلة العرض والشرف للإنسان ومن هان عليه وطنه يهون عليه عرضه وشرفه.

وخزة قلم
الأوطان لا تُباع إلا على أيدي الخونة من أبنائها الذين باعوا شرفهم وكرامتهم في سوق المصالح.

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button