من كمال الشريعة الإسلامية وشمولها إن عنيت بالحقوق الخاصة أو العامة، ومن هذه الحقوق الأوقاف سواء كان الوقف خاصًا لفئة معينة أو عامًا لجميع فئات المجتمع، وقد تناول الفقهاء أحكام الوقف بإسهاب وتفصيل دقيق في مؤلفاتهم قديمًا وحديثًا، ومنهم من أفرد لها مصنفات مستقلة، واستوعبت بحثًا من خلال عدد من رسائل الماجستير والدكتوراة أو غيرها ففيها ما يغني عن بيان هذه الأحكام.
وقد اهتمت الدولة منذ تأسيسها بالأوقاف ففي عام 1381هجرية أنشئت وزارة الحج والأوقاف، وفي عام 1431هجرية أنشئت الهيئة العامة للأوقاف كهيئة عامة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، وفي عام 1437هجرية وافق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- على نظام الأوقاف بصيغته الحالية، ولم تغفل رؤية المملكة 2030 هذا الجانب فمن المؤشرات التي تشملها المساهمة في تحقيق الاستدامة للقطاع غير الربحي.
فعناية المملكة بالأوقاف ليست مجالًا للطرح أو للنقاش حتى نصل للقناعة بما تقدمه حكومتنا الرشيدة فالشمس لا تغطى بغربال فما نشاهده من اهتمام بالحرمين الشريفين، وما تقدمه لضيوف الرحمن من خدمات، وما أولته من عناية بمساجد المواقيت وما أطلقه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- منذ أكثر من عام من مشروع لترميم المساجد التاريخية بالمملكة لشاهد عصر سيبقى حديثًا للأجيال القادمة كأوضح دليل على عنايتها بالأوقاف؛ وخاصة المساجد، والتي يحق للغني والفقير والذكر والأنثى الاشتراك في عمارتها حسيًا كان أو معنويًا منذ أن أسس محمد صلى الله عليه وسلم المسجد النبوي كما ورد في صحيح البخاري عن عكرمة، قال لي ابن عباس ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فينفض التراب عنه، ويقول: «ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار» قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن”. ومن فقه البخاري أن جعل عنوان الباب التعاون في بناء المسجد، ولن نقف عند هذا الحديث لنستنبط الفوائد منه فالسماح بالمشاركة في إنشاء الوقف أو الاختصاص به حق مكتسب بالشرع والنظام؛ ولكن منع المسلمين من المشاركة وتعطيل الوقف خاصة المسجد بحجة الانتهاء من المشاريع الخاصة فهذا لم نسمع به من قبل لا في الشرع ولا النظام؛ ولكن مع الأسف مسجد حارتنا موقوف عظمًا منذ ثلاث سنوات، فهو معطل ومعه نتذكر دائمًا قصيدة الأمير خالد الفيصل -حفظه الله- “يموت الشجر واقف وظل الشجر ما مات”. فجزى الله المتبرع خيرًا فنحن نظلل سيارتنا حول المسجد ونردد يموت مسجدنا واقفاً وظل مسجدنا ما مات.
وعلى كل حال: نحن بحاجة أن تمارس جهات الاختصاص صلاحياتها لسحب هذه الأوقاف المتعثرة خاصة المساجد، وأن تضع الحلول والأنظمة العاجلة لتلافي ذلك مستقبلًا بتقديم الضمانات اللازمة لإنجازها في أوقاتها المحددة.
همزة وصل:
تعلم كيف تكتشف علامات الحسد قبل أن تتحصّن منه.