قصة قصيرة
اشتريتُ بخور والدتي، وعلى عجل خرجت من المحل في اتجاه البوابة القريبة..
صوت امرأة تنادي:
-واجدة.. واجدة.. يابنت..
التفت جهتها، كانت صديقتي (عالية)، دعتني لنتناول القهوة في أحد مقاهي السوق الفاخرة ، رافقتها و اخترتُ قهوتي المفضلة..
السوق الكبير على الرغم من كونه معزولا صوتيا إلا أن ذلك لم يمنع أن أسمع دوي الرعد، وأسمع رجلين وقورين بجوارنا يتحدثان بفن عن المطر!
ازداد صوت الرعد؛ فخفتُ من أن تقطع السيول الطريق إلى أمي التي تركتها وحيدة في بيتنا بمزرعتنا في (العرين الأسفل)، ولا يقوم على شئونها غيري بعد انشغال شقيقاتي و أخويّ بأسرهم إلا من زيارات قليلة ومتباعدة.
تركت قهوتي، و أسرعت للخروج قبل انهمار السماء بماء يقطّع المدينة أوصالا لعدد من الساعات، يحث خطاي أنه في المطر السابق انقطعت الكهرباء عن بيتنا وعدة أحياء في المدينة، وزاد توتري أن البَرَد المتساقط يجتمع في فناء البيت عند الباب فلا يمكن لمن في الخارج أن يدفعه بسهوله حتى يذوب..
خرجت من البوابة.. بحثت عن سيارة أجرة، كل السائقين يعتذرون، وسط مطر غزير، رجعت نحو البوابة اتقاء المطر الذي ألصق عباءتي على جسدي، فاحتميتُ بالحائط الأنيق، وعيون تفرّ من محاجرها إلى جسدي الفاره كما تصفه (عالية)، أدرت وجهي للحائط، وسمعت خطى في الماء تقترب، فألقيت نظرة، فإذا رجل أمن ينزع (البالطو) ويضعه على رأسي.. ارتجفت بردا وحياء.. لكن خوفي على أمي جعلني أطلب إليه برجاء أن يبحث لي عن سيارة أجرة توصلني (العرين الأسفل)..
– ( العرين الأسفل ) ما تصله في هذا الخير إلا سيارة كبيرة!
طلب مني الانتظار قليلا، وعاد في سيارة جيب (شاص قديم).
عرض أن يوصلني، ترددت في الموافقة، لكن المطر الغزير والخطى القليلة التي مشيتها للسيارة شدت من عزمي لألحق بأمي..
كان سائقا بارعا، لكنه كلما مدّ يده لتغيير (التعشيق) فزعتُ، وحركت فخذي اليسرى نحو اليمنى، كان يبتسم، و يدخن، ويغني بدهاء:
-(يا ربي مطر وسيل ، يا ربي قدام ليل)
يكررها كثيرا، والمطر حاصل، والبرق يضيء المدينة ويغنيها الرعد، فأي سيل و أي ليل؟!
تساءلتُ في داخلي، ثم قلت بصوت خفيض قليلا:
-اللهم حوالينا ولا علينا..
كانت طرحتي ونقابي تقطران ماء، رمى عليّ (شماغه) الذي كان مطويا بعناية على الطبلون، وتوقف جانبا، وقال وهو يترجل من السيارة:
– نزلي طرحتك ونقابك بسرعة وتعممي وتلثمي..
المطر و البَرَد يزداد، و وقعه على السيارة كفرقة رِقّ تعزف بقيادة ماسحة الزجاج الأمامي.
حين رد وجهه نحوي، ارتعبت ودعوت:
– اللهم حوالينا ولا علينا..
تبسم وقال:
-صندوق الجيب ممتليء بَرَدا!
اقتربت أنفاسي المرتعشة برْدا، بأنفاسه و أنا ألقي نظرة على صندوق الجيب، رائحة التبغ مع عطر نفاذ، تتسلل بخفية تماما كالبَرْد الذي يتسلسل من هوّايات الطبلون السفلى إلى قدمي فيزيدها بَرْدا.. استعدتُ وضعي وقلت:
– أمي وحدها و أخاف الكهرباء تنقطع..
– لم يبق إلا مسافة قصيرة، دليني على البيت.. قال ذلك لأطمئن!
وصلنا العرين الأسفل هبوطا من الأعلى الذي هو أقرب للمدينة، و شلالات المطر تتدفق من الجبال و(الجنبان) الممتلئة بلا بَرَد! ويبدو المصباح مضاء على باب بيتنا، وسيارة أخي تقف غير بعيد..
دفعتُ إليه أجرته فأبى، شكرته ودعوت له، وأعدت له (البالطو).
دخلت عجلى لأطمئن على أمي، سلمتُ و مسيّت، فانتصب أخي و قابلني بلطمة أسقطت (شماغ صاحب الشاص) من على رأسي!!!