الحب لشطري الآخر فقط..
“كان البشر فيما مضي مخلوقات ذات أربعة أذرع وأربعة أرجل ووجهين، وذات يوم أغضبوا الآلهة فشطرَتْ كل واحد منهم إلى اثنين. ومنذ ذلك الوقت، فَقَدَ كل شخص نصفه”.
هكذا روت لنا فلسفة اليونان من خلال “كبيرهم” على لسان مهرج ثمل في حفلة عشاء، وأصبح الحب من ذلك الحين ليس سوى البحث عن أنصافنا المنتثرة في هذا الكون وأشطرنا الغارقة خلف جدار الغيبية من جهة وجدار الأمل من جهة أخرى على حد هذا القول.
بهذه الرمزية تستطيع أن تخلق الحب فيما ليس يحتمله، وتنزعه من كل ما يحتمله، كما أن الحب سيبقى مغموراً تحت الأنقاض مُجهداً للبحث ممتنعاً عن طالبيه، وبالمقابل سيكون حاضراً في تلك الأرواح التي لا تطلبه ولم تخطو خطوة في إيجاده.
بهذه الرمزية ستنتهي مقولة “الحب على قدر الجهد” وتقل صناعته ابتداءً في غيرنا من خلال ما قد نتقنه من اهتمام واسترضاء وسهر وإمعان في إذكاء تلك الجذوة بأرواحنا وجوارحنا.
الرمزية التي تقول بأن لك نصف تائه تبقيك في دوامة البحث عن حب بلا ملامح ورضا بمقسوم ليس في قدرك، بل صنعته فلسفة اليونان من شيخ خرف كما يراه من روى على لسانه.
وربما قد تزهدك كثيراً فيمن يخطب ودك ويسترضي خاطرك ويجهد نفسه في إسعادك، فلا زال قلبك يبحث عن شطرة ويتفرس في الوجود بعضه، وبهذا أسقطت حق ما لديك بغائب منتظر، ومستتر لا ترجو منه إلا ما ترجوه من ذلك البدر الآفل.
نعم للأرواح أشباه، وللقلوب من خلق لها، وصنع من أجلها، ويجدر بنا تسليط الضوء في ذلك العمق ذات مساء، ومن ينكر هذا ينكر التنافر والتجاذب المعروف بل والمنصوص عليه، ولكن أن تكون شماعة يعلق فيها التقصير، وينشر عليها ضعف الجهد، فهذا جرم تتعاظم معه بادئة الجفوة وتكبر به بارقة المنع.
رياض عبدالله.