– المستقبل
كان المستقبل حاضراً في لقاءِ سموِّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ حاضراً بشفافيةٍ لا يشوبها غُبار، أكان ذلك من خلال شخصيتهِ الطموحة الملآى بالتطلعات، أو التحفُّز الطافحِ في عباراتهِ، أو المنجزات التي بدأت تجلياتها تمثُل للعيان، وصحيحٌ أنَّ “التنبؤ صعبٌ جداً وخاصّة عندما يكون حول المستقبل” كما يقول يوجي بيرا، بيدَ أنَّ الأخذَ بالأسبابِ، ورسمِ الأهداف، ووضع الاستراتيجيات هي أدواةُ الوصول إلى المستقبلِ المأمول.
لقد أراد أن يعزِّز الإحساس بالمستقبل، وهو أمرٌ لا مناص منه في سلِّم الإرتقاءِ نحو مصاف التطوُّر والتقدم، يقول إلفين توفلر في كتابه (صدمة المستقبل):”الواقع أن إحساس الفرد بالمستقبل قد يكون من بين أهم الأسباب الكامنة الموصِّلة إلى التكيُّف الناجح. إن إولئك الذين يواكبون التغيير والقادرين على التكيف الأفضل، هم أولئك الذي تربَّى لديهم إحساسٌ أغنى وأفضل بما هو مقبل، من أولئك الذين يفتقرون إلى القدرة على التكيُّف”.
وما هو هدفُ الرؤية 2030 أو الرؤية التي تأتي من بعدها 2040 أو الرؤى التي تأتي دواليك، سوى صناعة المستقبل، هكذا كما يقول Ayn Rand:”عبر قرون كان هناك رجال وضعوا خطواتهم الأولى في دروب جديدة، دون أن يكون لهم من عتادٍ سوى رؤيتهم”.
على أن المستقبل ليس محض خيالٍ، ولا مجرَّد رؤيةٍ منفصلةٍ عن التحديات، والمتغيرات، والإفتراضات المتضادة، ومن هنا فإنَّ وليَّ العهد قد أوضح أموراً تُعدُّ دعامات لصناعة المستقبل في مقدمتها الموارد البشرية، والتخطيط الاستراتيجي. فالموارد البشرية هي عِمادُ كل تنمية، ومحور كل تقدم، ولا يمكن عقد الرهان على أيَّة نهضةٍ دون الإنسان الذي قامت عليه دولٌ لم تكن تملك رهاناً غيره مثل ألمانيا واليابان وسنغافورة، لهذا فقد أشار ولي العهد إلى تطوير التعليم ليؤهل إنساناً فاعلاً قادراً على صناعة المستقبل، إذ لا شك بأنَّ الاعتناء بالتعليم هو ما يجب أن يشغل أيَّة حكومة لديها الإرادة الأكيدة للتغيير والتطوير.
كما أن صناعة المستقبل تستوجبُ التخطيط ووضع الاستراتيجيات الفاعلة التي من شأنها تطوير القطاعات وهذا هو عملُ مكتبُ الاستراتيجيات الذي يناطُ على كاهلهِ هذه المسؤولية العظيمة ثم تتحوَّل لاحقاً إلى الوزارات لتنفيذها حتى لا يُتْرَكُ الأمر لاجتهادات المسؤولين فالوطنُ ليس مختبرُ تجارب فردية، وإنما هو فكرةُ أمَّةٍ، ورؤيةُ شعبٍ، وميدانُ قادة.
ويبدو للناظر جليَّاً أن المملكة قد بدأت تسيرُ قُدماً في عملية إصلاحٍ شامل، يرافقها تخطيط متكامل العناصر في كامل أجزاء المملكة، وذلك بفضل الأهداف المحددة التي وضعت الاستراتيجيات لتحويلها إلى واقع ملموس، وقبلها بفضل إرادةٍ حازمةٍ لإحداث التغيير.
لقد بَدَا وليُّ العهد بما كان يملك من أرقامٍ واضحةٍ، ونِسَبٍ بيِّنةٍ مخططاً بارعاً، واثق النظرة، نحو المستقبل، وتكمنُ أهمية هذه الكاريزما التي بدا عليها الأمير في تعزيز روح الإحساس بالمستقبل لدى فئات الشعب، وهذا ما ينمِّي بدوره الثقة في كل ما يسعى إليه وأكَّد بأنَّه لن يستطيع المراهنة على نجاح المساعي في صناعة المستقبل دون هذه الثقة، وليس أكدى على القائد الذي يصنع المستقبل من الفكر الذي يعارضُ التغيير؛ فهو فكرٌ متحجِّرٌ يريدُ أن يتقوقع في الماضي، والعيشُ في الماضي، فكرٌ يعرقلُ حركة المجتمعات، ويثبّط تقدّم الأفراد، ويورّثُ بلادة العقول، وفي ذلك يقول ديل كارنيجي:”إنَّ العيش في الماضي من أهمِّ أسباب الشيخوخة المبكرة” فالشيخوخة هنا ليست مقرونةً بهرم الجسدِ وإنّما ببلادةِ العقلِ، وسكونيّة التفكير، وجموديّة الهمم ..!
إن المستقبل مرهونٌ بالرؤية، وطالما أن الأفكار كانت واقعيةً وفاعلةً وطموحةً فإن المستقبل سيكون كذلك، فالأفكار هي بذور المنجزات المستقبلية، وحينما سأل المحاور سموَّ ولي العهد: ماذا بعد 2030؟ كانت إجابة الأمير حاضرة: 2040، ويردف قائلاً:” 2030 تضعنا في موقع متقدم، بينما 2040 تضعنا في موقع المنافسة عالمياً”، هذا التوثُّب ينمُّ على الهمَّة العالية لشخصيته الفذَّة في العمل الدؤوب، والجهد المستمر، ولسانُ حاله يقول:
إنِّي وإن كنتُ الأخير زمانه… لآتٍ بما لم تستطعهُ الأوائلُ
هكذا هي الهمِّة العتيدة، التي تصغرُ دونها المآربُ العظمى، والمطامحُ الكبرى، وصدق البارودي قولاً في وصفها:
هَمَامَةُ نَفْسٍ أَصْغَرَتْ كُلَّ مأْرِبٍ
فَكَلَّفْتِ الأَيَّامَ ما لَيْسَ يُوهَبُ
وَمَنْ تَكُنِ العَلْيَاء هِمَّةَ نَفْسِهِ
فَكُلُّ الَّذِي يَلْقَاهُ فِيهَا مُحَبَّبُ
—————————-
* كاتب وشاعر وإعلامي عماني
رئيس مركز قِيم
له العديد من المؤلفات آخرها”القيم السلطانية للسلطان قابوس بن سعيد”