– المواطن
سأختمُ هذه السلسلة التي خصصَّتها لقراءة لقاءِ سموِّ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بما ختمَ هو به اللقاء، وذلك في معرضِ إجابته على تساؤل المحاور عن أعظم شيء تملُكهُ السعودية للنجاح، فردَّ عليه سموُّ الأمير وهو يشيرُ بيديه في إشارةٍ يُفهم منها التأكيد والحسم: المواطن السعودي.
الإجابةُ الفورية تنمُّ على فطنةٍ ونباهة، وحنكةٍ وبداهة، فالمواطنُ هو محورُ كل تنميةٍ، وأساس كل نهضةٍ فيها، فقناعاتهُ – كما يرى ولي العهد- جوهرية لنجاح مساعي العمل، وتضحياتهُ مفصلُ التقدم، وبدونها يصبحُ كلَّ شيء مجرَّدَ “حبرٍ على ورق”، ووفقاً لذلك فإنَّ سموَّ وليِّ العهدِ يُدركُ ذلك تمام الإدراك، لهذا كان عليه أن لا يُقصرَ التعليم على صروح العلم وحسب بل ويمدُّ ظلاله إلى عموم المجتمع ليتعلم؛ يتعلَّم أن الأوطان تحتاجُ في سيرورة بنائها إلى جهدٍ جهيد، وعملٍ مشتركٍ، وتضحياتٍ مستمرةٍ، وتكاتفٍ دائم، كما أنَّه لا يغفلُ الإدراك أن القيادة تتحمَّل هي أيضاً جزءاً كبيراً من التضحيات الجسيمة على اختلافِ أشكالها وأثقالها، وهو يُدركُ بأنَّ على القائد أن يبدأ المبادرة قبل الآخرين، يقول بو بينيت Bo Bennett “بدون المبادرة فإن القادة هم مجرّد عاملين في منصبِ القيادة..!”.
إن من واجب الحكومة –أيَّة حكومة- ليس توفير الحاجات الأساسية للإنسان فحسب، بل إنِّها إن أرادت من هذا الإنسان أن يكون مشاركاً في التغيير، ومعاوناً في التعمير، فإنها يجبُ أن ترتقي به –وفقاً لهرمِ ماسلو- فوق الحاجات الفسيولوجية التي تلبِّي حاجاته الفطرية ليعبر مراحل الإحساس بالأمان، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية التي من أهمَّها تحقيق الاستقرار الأُسري، ثم الإرتقاء إلى مرحلة التقدير التي يمتلك فيها المكانة والثقة والشعور بالإنجاز، وصولاً إلى المرحلة العُليا وهي تحقيق الذات وفيها يجدُ نفسه قادراً على تحقيق الإنجازات، وممارسة الإبداع.
هذا المشروع الإنساني الحضاري بدا لي في عباراتٍ مُلفتةٍ قالها سموُّ ولي العهد وهو يفنِّدُ الوظائف الجيِّدةَ من السيِّئة فيؤكِّد أن الوظائف الجيِّدة في المملكة تشكِّل 50% في الفترة الراهنة، ويصنِّفها على أنها تلك الوظائف التي تحقِّق للإنسان الاحتياجات الفسيولوجية وتتجاوزها إلى القدرة على الوصول إلى المراحل العليا التي تحقق للإنسان الشعور بالأمان، والوضع الاجتماعي المريح، إلى تحقيق الذات، بينما لا يستطيع أصحاب الوظائف السيئة سوى الوصول كحدٍ أقصى إلاَّ إلى حواف المرحلة الثالثة من هرم ماسلو وهي تكوين الأُسرة وتلبية احتياجات الحياة الاجتماعية الأساسية دون القدرة على تجاوزها.
من هُنا كانت الالتفاتة الفريدة من وليِّ العهد نحو ترقية الوظائف السيئة إلى جيدة من أجلِ إعلاء قيمة وعي المواطن بالمشاركة في بناءِ وطنه، والمشاركة في تنميته، وازدهاره، وذلك عبر عدَّة وسائل شملتها رؤية 2030، ومن ذلك: الاهتمام الكبير بالسياحة على اختلاف مناشطها وفعالياتها، إنشاء المشاريع الإقتصادية الضخمة التي تعدُّ فريدة من نوعها كمدينة “نيوم”، تطوير قطاع التقنية وسهولة وصول المعلومة، تطوير قطاع التعليم في مختلف مستوياته، والاعتناء بتعليم المجتمع.
هذه الوسائل وغيرها تسهم في الإرتقاء بنوعية الوظائف من (سيئة) إلى (جيِّدة) بما تمنحهُ من معرفة متقدمة، ومداخيل مالية جيدة.
لقد أراد ولي العهد أن يقول بأنَّ الدولة الغنية ليست تلك الدولة النفطية بل هي الدولة التي تعتبرُ مواطنها هو رأسُ المالِ الأعظم لديها، فكم من دولة غنيَّة الموارد الطبيعية، فقيرة الموارد البشرية، وطالما أن المواطن يجدُ من يفكِّرُ فيه، ويعتني بتطوره في مختلف مناحي الحياة، فما عليه هو إلاَّ أن يشمِّرَ عن ساعديه، ويشارك في الجهد.
يقول جان كارلسون:”لا يولد الناس متحلِّين بالثقة بالنفس، وأهم دور للقائد هو غرس الثقة بالنفس في رجاله” وأعتقدُ جازماً أنَّ هذا ما يجتهدُ سموُّ ولي العهد للقيامِ به لكي يُشركَ الجميع في تحقيق الإنجازات الكبيرة القادمة، وفي جهود التغيير الإيجابي لمستقبل مُزهرٍ للمملكة.
==
* كاتب وشاعر وإعلامي عماني
رئيس مركز قِيم
له العديد من المؤلفات آخرها”القيم السلطانية للسلطان قابوس بن سعيد”