تُعرَّف الهوية بأنها حقيقة الشيء المطلقة التي تشتمل على صفاته الجوهريّة التي تميّزه عن غيره، كما أنها خاصيّة مطابقة الشيء لنفسه أو مثيله لذلك فالهوية هي الصفات والخصائص الجوهرية التي تميز مجموعة بشرية معينة، تدفعها إلى التمايز في علاقاتها التي تنسجها مع محيطها الإنساني، وقد تختلف من أمّة إلى أخرى، وهي لا تتحقق للإنسان إلا من خلال عقيدته ودينه أولًا، وبالفطرة ثانًيا؛ لأنها أساس الهوية.
ويعد التمسك بالهوية العربية حصنًا منيعًا وسدًا عاليًا يصون التراث والثقافة العربية، ويحميهما من الضياع فهي منظومة اجتماعية وأخلاقية ترتبط بتفاصيل حياة الشعب ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا، وتقوم على استحضار جوهر وجوده، والحفاظ على هذا الوجود من تحديات التشتت والإمِّحاء والتفكك والإلغاء.
وعطفًا على المقدمة السابقة؛ فإن ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع هي ما تضمنته القصيدة التي انتشرت مؤخرًا لمستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل من معانٍ سامية وتوجيهات أبوية حانية من رجل عربي أصيل يحمل في داخله فكرًا وهمة ويؤرقه حال هذه الأمة حيث جاءت قصيدته عرّب وليدك، رسالة تحذير من التحول السريع الذي طرأ على شباب هذا الجيل في الفكر والسلوك والعقيدة، وكذلك التحذير من العمل الدؤوب والممنهج الذي يهدف لتذويب الهوية في دول المنطقة وعلى رأسها مملكتنا الأبية؛ خاصة في زمن الإنترنت والموضة والتقاليع الغربية فدق بتلك الأبيات ناقوس الخطر الذي يحيط بشباب الأمة والمحاولات المستميتة لطمس الهوية العربية الأصيلة، وتعويد أبناء هذا الجيل على عادات لا تمت للعربي الأصيل بأي صلة فكانت كلمات سموه نابعة من قلب غيور على الدين والعروبة فجل قصائده -حفظه الله- وكلماته المنبرية تدعو إلى الاعتزاز بالدين الإسلامي والعروبة والنفس، وتلك نظرة ثاقبة يتميز بها العظماء ممن يرومون إلى المعالي والشموخ.
وإذا ما دققنا النظر في أبيات تلك القصيدة التنويرية التحذيرية سنجدها اشتملت على توجيه الآباء، وتحذيرهم من التهاون في طمس الهوية العربية وغربة الوقت لدى الأبناء؛ فلامست كلماتها الجراح، وناقشت قضية خطرها في الأفق بان ولاح خاصة وأن بعضُ الأُسَرِ تخلَّت عن دورها في توجيه الأبناء والبنات وتربيتهم على هدي ديننا الحنيف؛ فهم يعتقدون أن تدخُّلهم في شؤون أبنائهم الخاصة قد يصيبهم بالتعقيد والانزواء، وما علموا أن في محيطهم من الأهواء والشهوات ما قد يورثهم سوءَ العاقبة، ويعود على الأبوين المفرطين باللائمة، وما علموا أن تنشئتهم على التدين والعادات العربية الأصيلة تقيهم كثيرًا من أمراض المدنية الحديثة، وتناسوا ما قاله حبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام :(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
لهذا نحتاج إلى نقل ما يجري من ظواهر دخيلة على مجتمعنا إلى ساحة الضوء والدراسة والتحليل ومن ثم وضع الحلول المناسبة، التي تعالج هذه الظواهر من جذورها وأسسها وليس من السطح فقط، سعيًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجيالنا الحالية والمستقبلية فقد ظهرت الكثير من العادات والتقاليد الدخيلة على مجتمعاتنا العربية بشكل عام والمجتمع السعودي بشكلٍ خاص، وانتشرت في مجتمعاتنا كانتشار النار في الهشيم وكان للإعلام والثورة التكنولوجية دور كبير في الترويج للكثير من الأفكار والممارسات الدخيلة على الشباب من خلال الفنون والبرامج التي تروج لأفكار وافدة أو مستوردة.
كما صار لزامًا علينا غرس القيم الإسلامية السليمة وفق منهج الوسطية والاعتدال والتي تُعد ضابطًا من ضوابط مفهوم الحرية، وإطارًا يضمن للمجتمع عدم الوقوع في فخ التحرر من كل شيء، وكذلك نبذ كل ثقافة تدعو إلى المادية الكاملة، وتعزيز الهوية العربية من خلال إعداد منظومة ثقافية واحدة تشترك في صياغتها كافة القطاعات المدنية والعسكرية؛ بهدف الحد من مخاطر ذوبان الهوية الثقافية أو تقوقعها على ذاتها.
وأخيرًا، إنّ للوعي بالهوية الوطنية والالتزام بها آثارًا عظيمة، تنعكس على الفرد والمجتمع والوطن بشكل عام، وتتمثل في قوةِ النسيج الاجتماعي، ونهضة في العلم والمعرفة، وقوة في الاقتصاد، واستغلال جيد للعقول المبدعة، وتطوير دائم وبنّاء للوطن، واللحاق بركب الحضارة وهيبة للوطن والمواطن إذا اعتز الكل بهويته الوطنية، فأحسن فهمها، وأجاد لغة التعبير عنها.
وخزة قلم:
عرّب وليدك قبل تغريبة الوقت
لا يطرح الغترة على طايح البشت