مع نهاية يوم رمضاني سيكون بإمكانك التقاط جهاز التحكم عن بُعد لمستقبل البث الفضائي والاسترخاء على أريكة مقابلة، لتتنقل بناظريك عبر الفضاء المزدحم في هذا الشهر الفضيل، وستجد الكثير، ومنها برامج بمسميات مختلفة تستعرض السير الذاتية لأفراد من أبناء مجتمعنا، فكرة البرنامج تهدف لاستعراض تجارب متميزة، وإتاحة تفاصيلها للمشاهدين؛ ليتشارك الناس في تبادل المعارف والخبرات.
سيبدأ البرنامج بالحديث عن نشأة الضيف/الضيفة ودراسته ومحطاته العملية، وما يسمى بنقاط التحول في مسيرته وإنجازاته، وسيصاحب هذا العرض صور وخلفيات وموسيقى تعبر عن المشهد. مرحلة الولادة والنشأة تقريبًا مشهد متكرر؛ فقد كانت في منزل متواضع بسيط يكاد يسقط سقفه على ساكنيه وأسلوب حياة بدائية فلا كهرباء ولا ماء والقليل من الطعام متاح والعيش في غرف مزدحمة بالأخوة أو الأخوات. الذهاب إلى المدرسة مشيًا على الأقدام لمسافة تمتد إلى بضعة كيلو مترات، التفوق الدراسي عنوان المرحلة في ظروف مدرسة متواضعة الإمكانيات وأساتذة أباطرة لا يرقبون في طالب رحمة أو شفقة. الحصول على العلامات الكاملة هو نتاج مرحلة الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية. الذهاب مبتعثًا للدراسة خارج البلدة أو خارج المملكة هي الخطوة القادمة فالجامعات المحلية قليله وتخصصاتها محدودة، والتأقلم على الغربة، والبُعد عن الأهل أهم الصعاب. مرحلة جديدة من التفوق تختم بمراتب شرف متميزة استعدادًا للعودة إلى الأهل برأس مرفوع وتميز مذهل. ستبدأ الحياة العملية بعدها بصعوبات جمة وتحديات كبيرة وقصص نجاح مبهرة تتنوع بين مشاريع حكومية عملاقة بناها المسؤول الحكومي الكبير من أموال الدولة أو شركة بدأها برأس مال لا يتجاوز خمسة آلاف ريال؛ لتصبح لاحقًا عملاقة برأس مال بمليارات الريالات نتيجة لآلاف المناقصات الحكومية التي نفذتها شركته بأرقام فلكية. سيرافق العرض موسيقى تصويريه مؤثرة تنتهي بمشاهد لقصر سكن الضيف أو استراحته الفخمة، وأسطول سياراته الحديثة، ومكتبه الوثير، وسيتخلل كل ذلك فواصل إعلانية مكررة، وستختم الحلقة بصور للضيف مع فريق البرنامج يقدم لهم هدايا قيّمة أو يتجمع معهم حول وجبة دسمة.
وهنا عليك أن تلتفت لتبحث عن جهاز التحكم باللاقط الفضائي؛ لتديره نحو محطة أخرى لتقع عيناك على برنامج آخر يستعرض سيرة ذاتية لضيف آخر أو حتى للضيف نفسه، لا يهم فالبرامج كثيرة، وتتكرر في كل رمضان والصور متاحة والسيناريو جاهز. بعدها ستبدأ أسئلة كثيرة تبرز في ذهنك حيال دقة وواقعية هذا التسويق الإعلامي والصور الذهنية التي سيتركها في أذهان المشاهدين.
لا شك أن الوطن يكتنز الكثير من الكفاءات العالية وأصحاب النجاحات المميزة التي تستحق الإبراز؛ لتكون نموذجًا للأجيال الصاعدة، لكن فكرة البرنامج المكررة، وتكرار نفس الأسماء أحيانًا في كل عام نقطة سلبية تسجل على هذا النوع من البرامج. كما أن دقة ومصداقية ما يرد من معلومات أمر يستلزم التدقيق وإيضاح الأدلة فما يصل للأجيال من رسائل مؤثرة يلزم أن يكون ذو مصداقية عالية. نسق الطرح المبني على فكرة شظف العيش في البدايات ومحطات فشل محدودة يعقبها نجاحات مبهرة، أمر آخر يستدعي المراجعة؛ فالجميع يدرك سمات الحياة في مراحل ماضية من حياة الأجيال الحاضرة. المبالغة في تصوير ممارسات للضيف على أنها صعوبات جمة غالبًا لن تجد قبولًا لدى المشاهد فبُعد السكن عن المدرسة، وقطع المسافة مشيًا على الأقدام يوميًا ستنظر إليه الأجيال الحاضرة من صغار السن التي تمارس المشي والجري يوميًا، ويعد أمرًا ضروريًا للصحة العامة، وتصوير خطوة السفر للدراسة والاغتراب بالعقبة الصعبة، وإبرازها كإنجاز متميز يتعارض مع كونها في وقتنا الحاضر مطلب يتزاحم عليه معظم طلاب اليوم.
ولذلك فالحاجة ملحة لمراجعة نمط هذه البرامج ومحتواها وأساليب تقديمها من قبل معديها إذا ما كنا نتطلع إلى استفادة عالية من تجارب وخبرات ضيوفها؛ لتكون خير معين ونموذج يحتذى للأجيال الحاضرة.